الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } الآية نزلت في ثابت بن قيس ابن شماس ، كان في أذنه وقر ، وكان جهوري الصّوت ، فإذا كلّم إنساناً جهر بصوته ، فربّما كان يكلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينادي بصوته ، فأنزل الله سبحانه { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } أي لا تغلظوا له في الخطاب ، ولا تنادوه باسمه يا محمّد ، يا أحمد ، كما ينادي بعضكم بعضاً ، ولكن فخّموه ، واحترموه ، وقولوا له قولاً ليّناً ، وخطاباً حسناً ، بتعظيم ، وتوقير : يا نبي الله ، يا رسول الله ، نظيره قوله سبحانه :

{ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } [ النور : 63 ] .

{ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ } كي لا تبطل حسناتكم . تقول العرب : أسند الحائط أن يميل { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } " فلمّا نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق ، فمرّ به عاصم بن عدي ، فقال : ما يبكيك يا ثابت ؟ قال : هذه الآية أتخوّف أن تكون نزلت فيَّ ، وأنا رفيع الصوت ، أخاف أن يحبط عملي ، وأن أكون من أهل النار ، فمضى عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلب ثابتاً البكاء ، فأتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال لها : إذا دخلت بيت فرسي ، فشدّي على الضبة بمسمار فضربته بمسمار حتى إذا خرجت عطفه ، وقال : لا أخرج حتّى يتوفّاني الله ، أو يرضى عنّي رسول الله ، فأتى عاصم رسول الله ، فأخبره بخبره . فقال : " اذهب ، فادعه لي " . فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فلم يجده ، فجاء إلى أهله ، فوجده في بيت الفرس ، فقال له : إنّ رسول الله يدعوك ، فقال : أكسر الصَبّة ، فأتيا رسول الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما يبكيك يا ثابت ؟ " فقال : أنا صيّت وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيَّ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما ترضى أن تعيش سعيداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنّة " ، فقال : رضيت ببشرى الله ورسوله ، لا أرفع صوتي أبداً على رسول الله ، فأنزل الله سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ } الآية " .