الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ } خبر { ابْنَيْ ءَادَمَ } وهما هابيل وقابيل ، فهابيل في إسمه ثلاث لغات : هابيل وهابل وهابن . وقابيل في إسمه خمس لغات : قابيل وقابين وقابل وقبن وقابن { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً } وكان سبب تقرّبهما القربان على ما ذكره أهل العلم بالقرآن . أن حوّاء كانت تلد لآدم ( عليه السلام ) توأماً في كل بطن غلاماً وجارية إلاّ شيثاً فإنها ولدته مفرداً وكان جميع ما ولدته حوّاء أربعين من ذكر وأنثى في عشرين بطناً أولهم قابيل وتوأمته أقليما وآخرهم عبد المغيث مغيت وتوأمته أمة المغيث ثم بارك اللّه في نسل آدم ( عليه السلام ) .

قال ابن عباس : لم يمت آدم ( عليه السلام ) حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفاً بنوذ . ورأى آدم ( عليه السلام ) فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد .

واختلف العلماء في وقت مولد قابيل وهابيل ، وموضع اختلافهما . فقال بعضهم : غشى آدم حوّاء بعد هبوطهما إلى الأرض بمائة سنة فولدت له قابيل وتوأمته أقليما في بطن ، ثم هابيل وتوأمته في بطن .

وقال محمد بن إسحاق : عن بعض أهل الكتاب ، العلم الأول إنّ آدم كان يغشى حوّاء في الجنّة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت له فيها بقابيل وتوأمته فلم يجد عليها وحماً ولا وصباً ولا يجد عليها طلقاً حين ولدتهما ولم تر معهما دماً ، لطهر الجنّة فلما هبط إلى الأرض واطمأنا بها تغشّاها فحملت بهابيل وتوأمته فوجدت عليهما الوصب والوحم والطلق والدم .

وكان آدم إذا شبّ أولاده تزوّج غلام هذا البطن جارية البطن الآخر وتزوج بجارية هذا البطن غلام البطن الآخر وكان الرجل منهم يتزوّج أي أخواته يشاء إلاّ توأمته التي ولدت معه فإنها لا تحل له ، وذلك أنه لم يكن يومئذ نساء إلاّ أخواتهم وأمهم حوّاء ، فلما ولد قابيل وأقليما ، ثم هابيل وتوأمته ليوذا في بطن ، وكان بينهما سنتين في قول الكلبي وأدركوا أمر اللّه عز وجل آدم ( عليه السلام ) أن ينكح قابيل ليوذا أخت هابيل . ونكح هابيل أقليما أخت قابيل ، وكانت أخت قابيل من أحسن الناس . فذكر ذلك آدم لولده فرضي هابيل وسخط قابيل ، وقال : هي أختي ولدت معي في بطن . وهي أحسن من أخت هابيل وأنا أحق بها منه ، لأنّها من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض . وأنا أحق بأختي فقال له أبوه : إنها لا تحلّ لك ، فأبى أن يقبل ذلك منه وقال إنّ اللّه لم يأمر بهذا وإنما هو من رأيه . فقال لهما آدم : فقرّبا قرباناً فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بها .

وقال معاوية بن عمار : سألت الصادق عليه سلام اللّه عن آدم ( عليه السلام ) أكان زوّج ابنته من ابنه ، فقال : معاذ اللّه والله لو فعل ذلك آدم ما رغب عنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وما كان دين آدم إلاّ دين رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ اللّه تبارك تعالى لما نزل آدم وحواء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت حوّاء بنتاً وسمّاها ليوذا فبغت وهي أوّل من بغت على وجه الأرض فسلّط اللّه عليها من قتلها فولدت لآدم على أثرها قابيل ، ثم ولد له هابيل ، فلما أدرك قابيل أظهر اللّه جنية من ولد الجان يقال لها جهانة في صورة إنسية وأوحى اللّه تعالى إلى آدم ( عليه السلام ) أن زوجها من قابيل فزوجها منه فلما أدرك هابيل أهبط اللّه تعالى حوراء إلى آدم ( عليه السلام ) في صورة إنسية وخلق لها رحماً وكان اسمها نزلة ، فلما نظر إليها قابيل ومقها ، وأوحى اللّه تعالى إلى آدم ( عليه السلام ) أن زوّج نزلة من هابيل ، ففعل ذلك ، فقال قابيل له : ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلت به منه .

فقال له آدم : يا بني إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء . فقال : لا ولكنّك آثرته عليّ بهواك . فقال له آدم : إن كنت تريد أن تعلم ذلك فقرّبا قرباناً فأيكما تقبل قربانه فهو أولى بالفضل من صاحبه .

قالوا : وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت نار من السماء فأكلتها . وإذا لم تكن مقبولة لم تنزل النار وأكلتها الطير والسباع ، فخرجا ليقرّبا وكان قابيل صاحب زرع وقرّب حبرة من طعام من أردى زرع وأضمر في نفسه : ما أبالي أيقبل مني أم لا لأتزوج أختي أبداً ، وكان هابيل راعياً صاحب ماشية فقرّب حملاً سميناً من بين غنمه ولبناً وزبداً وأضمر في نفسه الرضا للّه عز وجل .

وقال إسماعيل بن رافع : بلغني أنّ هابيل أمنح له غنمه وكان في حملتها حمل فأحبه حتى لم يكن له مال أعظم له منه وكان يحمله على ظهره فلما أمر بالقربان قرّبه ، قال : فوضعا قربانيهما على الجبل ، ثم دعا آدم ( عليه السلام ) فنزلت نار من السماء وأكلت الحمل والزبد واللبن ، ولم تأكل من قربان قابيل حبّاً ، لأنه لم يكن زاكي القلب . وقُبل قربان هابيل لأنه كان زاكي القلب .

فما زال يرتع في الجنة حتى فدى به ابن إبراهيم فذلك قوله عز وجل { فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ } فنزلوا عن الجبل وعرفوا وغضب قابيل لمّا ردّ اللّه قربانه وظهر فيه الحسد والبغي وكان يضمر ذلك من نفسه ، إلى أن أتى آدم مكّة ليزور البيت فلمّا أراد أن يأتي مكّة قال للسماء : إحفظي ولدي بالأمانة فأبت ، وقال ذلك للأرض فأبت ، وللجبال فأبت ، فقال : ذلك لقابيل فقبل منه وقال : نعم ترجع وترى ولدك كما يسرّك ، فرجع آدم وقد قتل قابيل أخاه وفي ذلك قوله

{ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ } [ الأحزاب : 72 ] يعني قابيل

{ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] حين حمل أمانة أبيه ثم خانه . قالوا : فلمّا غاب آدم أتى قابيل وهابيل وهو في غزة قال : لأقتلك . قال : ولم ؟ قال : لأن اللّه قبل قربانك ، وردّ عليّ قرباني وتنكح أختي الحسناء ، وأنكح أختك الدميمة وتحدث الناس إنّك خير منّي وأفضل ويفتخر ولدك على ولدي ، فقال له هابيل : وما ذنبي { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *