جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلََكِن تَعْمَىَ الْقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ } .

يقول تعالى ذكره : أفلم يسيروا هؤلاء المكذّبون بآيات الله والجاحدون قدرته في البلاد ، فينظروا إلى مصارع ضربائهم من مكذّبي رسل الله الذين خلوْا من قبلهم ، كعاد وثمود وقوم لوط وشعيب ، وأوطانهم ومساكنهم ، فيتفكرّوا فيها ويعتبروا بها ويعلموا بتدبرهم أمرها وأمر أهلها سنةَ الله فيمن كفر وعبد غيره وكذّب رسله ، فينيبوا من عتوّهم وكفرهم ، ويكون لهم إذا تدبروا ذلك واعتبروا به وأنابوا إلى الحقّ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها حجج الله على خلقه وقدرته على ما بيّنا ، أو آذانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا يقول : أو آذان تصغي لسماع الحقّ فتعي ذلك وتميز بينه وبين الباطل . وقوله : فإنّها لا تَعْمَى الأبْصارُ يقول : فإنها لا تعمى أبصارهم أن يبصروا بها الأشخاص ويروها ، بل يبصرون ذلك بأبصارهم ولكن تعمى قلوبهم التي في صدورهم عن أنصار الحقّ ومعرفته . والهاء في قوله : فإنّها لا تَعْمَى هاء عماد ، كقول القائل : إنه عبد الله قائم . وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «فإنّه لا تَعْمَى الأبْصَارُ » . وقيل : وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التي في الصّدُورِ والقلوب لا تكون إلا في الصدور ، توكيدا للكلام ، كما قيل : يَقُولُون بأفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ .