التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

ثم بين - سبحانه - بعض أحوال هؤلاء الظالمين فى هذا اليوم العظيم فقال - تعالى - : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } .

والإِهطاع السير السريع . يقال : أهطع فلان فى مشيه فهو يهطع إهطاعا إذا أسرع فى سيره بذلة واضطراب .

و { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } أى رافعيها ، يقال : أهطع فلان رأسه ، إذا نصبه ورفعه دنون أن يلتفت يمينا أو شمالا . وقيل ، إقناع الرءوس طأطأتها وانتكاسها .

الأفئدة : جمع فؤاد ، والمراد بها القلوب .

والمعنى : أن هؤلاء الظالمين يخرجون من قبورهم فى هذا اليوم مسرعين إلى الداعى بذلة واستكانة ، كإسراع الأسير الخائف ، رافعى رءوسهم إلى السماء مع إدامة النظر بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شئ .

{ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أى : لا تتحرك أجفان عيونهم ، بل تبقى مفتوحة بدون حراك لهول ما يشاهدونه فى هذا اليوم العصيب .

{ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } أى : وقلوبهم فارغة خالية عن الفهم ، بحيث لا تعى شيئا من شدة الفزع والدهشة ، ومنه قولهم فى شأن الأحمق والجبان قلبهما هواء ، أى لا رأى فيه ولا قوة .

وأفرد هواء وإن كان خبرا عن جمع لأنه فى معنى فارغة أو خالية .

قال - تعالى - { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً . . . } أى خاليا من كل شئ إلا من التفكير فى شأن مصير ابنها موسى - عليه السلام - .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هؤلاء الظالمين فى هاتين الآيتين بجملة من الصفات الدالة على فزعهم وحيرتهم .

وصفهم أولا بشخوص الأبصار ، ووصفهم ثانيا بالإِسراع إلى الداعى فى ذلة وانكسار ، ووصفهم ثالثا برفع رءوسهم فى حيرة واضطراب ، ووصفهم رابعا : بانفتاح عيونهم دون أن تطرف من شدة الوجل ، ووصفهم خامسا بخلو قلوبهم من إدارك أى شئ بسبب ما اعتراهم من دهشة ورعب .

وقوله - سبحانه - : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } من باب التشبيه البليغ الذى حذفت فيه الأداة ، والتقدير : وقلوبهم كالهواء فى الخلو من الإدراك من شدة الهول .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

{ مُهطعين } أي مسرعين إلى الداعي ، أو مقبلين بأبصارهم لا يطوفون هيبة وخوفا ، وأصل الكلمة هو الإقبال على الشيء . { مُقنعي رؤوسِهم } رافعيها . { لا يرتدّ إليهم طرفهم } بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف ، أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم . { وأفئدتهم هواء } خلاء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة ، ومنه يقال للأحمق وللجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة قال زهير :

من الظلمان جؤجؤه هواء *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل خالية عن الخير خاوية عن الحق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

و «المهطع » المسرع في مشيه - قاله ابن جبير وقتادة .

قال القاضي أبو محمد : وذلك بذلة واستكانة ، كإسراع الأسير والخائف ونحوه - وهذا هو أرجح الأقوال - وقد توصف الإبل بالإهطاع على معنى الإسراع وقلما يكون إسراعها إلا مع خوف السوط ونحوه ، فمن ذلك قول الشاعر : [ الكامل ]

بمهطع سرج كأن عنانه . . . في رأس جذع من أوال مشذب{[7093]}

ومن ذلك قول عمران بن حطان : [ البسيط ]

إذا دعانا فأهطعنا لدعوته . . . داع سميع فلونا وساقونا{[7094]}

ومنه قول ابن مفرغ : [ الوافر ]

بدجلة دارهم ولقد أراهم . . . بدجلة مهطعين إلى السماع{[7095]}

ومن ذلك قول الآخر : [ الطويل ]

بمستهطع رسل كأن جديله . . . بقيدوم رعد من صوام ممنع{[7096]}

وقال ابن عباس وأبو الضحى : الإهطاع شدة النظر من غير أن يطرف وقال ابن زيد «المهطع » : الذي لا يرفع رأسه . قال أبو عبيدة : وقد يكون الإهطاع الوجهين جميعاً الإسراع وإدامة النظر ، و «المقنع » هو الذي يرفع رأسه قدماً بوجهه نحو الشيء ، ومن ذلك قول الشاعر : [ الشماخ ] [ الوافر ]

يباكرن العضاة بمقنعات . . . نواجذهن كالحدأ الوقيع{[7097]}

يصف الإبل بالإقناع عند رعيها أعالي الشجر .

وقال الحسن في تفسير هذه الآية : وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد . وذكر المبرد - فيما حكي عن مكي - أن الإقناع يوجد في كلام العرب بمعنى خفض الرأس من الذلة .

قال القاضي أبو محمد : والأول أشهر .

وقوله : { لا يرتد إليهم طرفهم } أي لا يطوفون من الحذر والجزع وشدة الحال ، وقوله : { وأفئدتهم هواء } تشبيه محض ، لأنها ليست بهواء حقيقة ، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فرغ الأفئدة من الخير والرجاء والطمع في الرحمة ، فهي منخرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه ، ويحتمل أن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في صدورهم وأنها تجيء وتذهب وتبلغ على ما روي - حناجرهم - فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبداً في اضطراب .

قال القاضي أبو محمد : وعلى هاتين الجهتين يشبه قلب الجبان وقلب الرجل المضطرب في أموره بالهواء ، فمن ذلك قول الشاعر : [ الطويل ]

ولا تكن من أخدان كل يراعه . . . هواء كسقب الناب جوفاً مكاسره{[7098]}

ومن ذلك قول حسان : [ الوافر ]

ألا أبلغ أبا سفيان عني . . . فأنت مجوف نخب هواء{[7099]}

ومن ذلك قول زهير : [ الوافر ]

كأن الرحل منه فوق صعل . . . من الظلمان جوجؤه هواء{[7100]}

فالمعنى : أنه في غاية الخفة في إجفاله .


[7093]:البيت في (اللسان ـ أول)، ونسبه ابن بري فيه لأنيف بن جبلة، وروايته فيه: أما إذا استقبلته فكأنه للعين جدع من أوال مشذب وفي معجم ما استعجم للبكري: أول: قرية بالبحرين، وقيل: جزيرة، فإن كانت قرية فهي من قرى السيف، ويشهد لذلك قول ابن مقبل: "وكأنها سفن بسيف أوال". و المهطع: الذي يسرع في مشيته مع خوف، والسرح: السريعة، قال في اللسان: "خيل سرح في سيرها، أي سريعة"، والجذع: الساق من الشجرة ونحوه من الأغصان المتينة، والمشذب: الذي هذب وأزيل عنه قشره.
[7094]:رواه أبو حيان في "البحر": فلبونا، ولف معناها: جمع، أما لبه فمعناها: ضرب لبته، والإهطاع هو الإسراع في خضوع، وسميع معناها: مسمع.
[7095]:البيت في "اللسان" غير منسوب، أنشده الليث للتدليل على أن قوله تعالى {مهطعين إلى الداع} يحتمل الوجهين اللذين ذكرهما ابن عطية نقلا عن أبي عبيدة، و الرواية فيه: "بدجله أهلها" بدلا من "دارهم".
[7096]:أورده صاحب (اللسان ـ قدم)، وأورده الزمخشري في (أساس البلاغة ـ هطع)، و الرواية فيه: "من رضام ممتع" بالتاء، وقال: إنه في صفة ثور، والمستهطعهو المسرع، ورسل: سهل فيه لين، والجديل: حبل مجدول أي مفتول من أدم أو شعر، يكون في عنق البعير أو الناقة، وجمعه جدل، والرعن: أنف الجبل، وقيدوم كل شيء: صدره ومقدمه، وقيدوم الجبل: أنف يتقدم منه، والقيدوم الرعن: هو الأنف المندفع في ارتفاعه، وصوام (كسحاب): اسم جبل، قال ذلك صاحب اللسان، والبكري، والممنع بالنون: المرتفع الصعب الذي يمتنع على الناس فلا يسطيعون الصعود والارتقاء فيه. وقد أورد أبو عبيدة البيت في "مجاز القرآن" ، وقال: "صؤام: بضم الصاد وهمز الواو"، وفسر الرسل بأنه الذي لا يكلفك شيئا.
[7097]:هذا البيت للشماخ بن ضرار، والرواية في الديوان "يبادرن" بدلا من "يباكرن"، والمعنى واحد، وهو الإسراع، والعضاه: جمع عضاهة وهي أعظم الشجر، والمقنعات: جمع مقنع وهو الذي يرفع رأسه نحو الشيء، يصف الإبل وهي تسارع إلى أعلى الشجر الكبير فترفع رؤوسها لتأكل منه، والنواجذ: أقصى الأضراس، والحدأ: جمع حدأة، وهي فأس ذات رأسين، والوقيع: الذي حدد بالميقعة وهي المطرقة، يعني: طرقت حتى أصبحت حادة قاطعة، يشبه أضراس الإبل بالفؤوس الحادة التي طرقت بالمطارق حتى أصبحت شديدة القطع. وقد استشهد به أبو عبيدة في "مجاز القرآن" في نفس الموضع.
[7098]:نسبه في (اللسان ـ يرع) إلى كعب الأمثال، والأخذان: جمع خذن وهو الصديق، واليراعة: الجبان الذي لا عقل له ولا رأي، مشتق من القصب، فهو مثل القصب الأجوف، والهواء: الجبان الخفيف الفؤاد، أو الذي انتزع فؤاده، والبان: شجر من أشجار البادية، يطول ويرتفع في اعتدل، وبه يشبه الشعراء قوام الحسناء، وسقب البان: عمود الخيمة فإذا صنع من شجر البان كان ضعيفا لا يحتمل لقلة صلابته، وجوف: جمع أجوف، و المكاسر: مواضع الكسر، يعني إذا كسر بان أنه إذا كسر بان أنه أجوف ضعيف. ينهى عن صداقة الأخذان الجبناء الذين لا يعتمد عليهم، وتظهر حقيقتهم الضعيفة عند الاختيار.
[7099]:أبو سفيان هو المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب، كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، و كان حسان يرد عليه. و الموجوف: الخالي الجوف، وهذا دليل الجبن والضعف مع التظاهر بالشجاعة، والنخب والهواء لهما نفس المعنى، و حسان هنا يصف أبا سفيان بالجبن والضعف، وأن هذه هي حقيقته.
[7100]:يصف زهير في هذا البيت ناقته، والرحل: ما يوضع على ظهر البعير للركوب عليه، وكذلك هو كل شيء يوضع على ظهر البعير من وعاء للمتاع وغيره، والصعل: الصغير الرأس، ويريد به هنا ذكر النعام (الظليم) لأنه صغير الرأس ، وجؤجؤه: صدره، وهواء: خال لا قلب فيه، وهو يريد أن يقول: إن الظليم ليس له عقل فهو كالمجنون.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

الإهطاع : إسراع المشي مع مد العنق كالمتختل ، وهي هيئة الخائف .

وإقناع الرأس : طأطأته من الذل ، وهو مشتق من قَنَع من باب مَنَع إذا تذلّل . و { مهطعين مقنعي رؤوسهم } حالان .

وجملة { لا يرتد إليهم طرفهم } في موضع الحال أيضاً . والطَرْف : تحرك جفن العين .

ومعنى { لا يرتد إليهم } لا يرْجع إليهم ، أي لا يعود إلى معتاده ، أي لا يستطيعون تحويله . فهو كناية عن هول ما شاهدوه بحيث يبقون ناظرين إليه لا تطرف أعينهم .

وقوله : { وأفئدتهم هواء } تشبيه بليغ ، إذ هي كالهواء في الخلو من الإدراك لشدة الهول .

والهواء في كلام العرب : الخلاء . وليس هو المعنى المصطلح عليه في علم الطب وعلم الهيئة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{مهطعين}، يعنى مقبلين إلى النار، ينظرون إليها، ينظرون في غير طرف، {مقنعي}، يعني رافعي {رءوسهم} إليها، {لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء}. وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار شهقوا شهقة زالت منها قلوبهم عن أماكنها، فتنشب في حلوقهم، فصارت قلوبهم: {هواء} بين الصدور والحناجر، فلا تخرج من أفواههم، ولا ترجع إلى أماكنها، فذلك قوله سبحانه في حم (المؤمن): {إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين}، يعني مكروبين...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وأما قوله:"مُهْطِعِينَ" فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه؛

فقال بعضهم: معناه: مسرعين... عن قتادة: "مُهْطِعِينَ "يقول: منطلقين عامدين إلى الداعي.

وقال آخرون: معنى ذلك: مديمي النظر... عن ابن عباس، قوله: "مُهْطِعِينَ" يعني بالإهطاع: النظر من غير أن يطرف...

وقال آخرون: معنى ذلك: لا يرفع رأسه...

والإهطاع في كلام العرب بمعنى الإسراع أشهر منه بمعنى إدامة النظر...

وقوله: "مُقْنِعِي رُؤوسِهِمْ" يعني رافعي رؤوسهم. وإقناع الرأس: رفعه...

وقوله: "لا يَرْتَدّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ" يقول: لا ترجع إليهم لشدّة النظر أبصارهم...

وقوله: "وأفْئدَتُهُمْ هَوَاءٌ": اختلف أهل التأويل في تأويله؛

فقال بعضهم: معناه: متخرّقة لا تعي من الخير شيئا...

وقال آخرون: إنها لا تستقرّ في مكان تردّد في أجوافهم...

وقال آخرون: معنى ذلك: أنها خرجت من أماكنها فنَشِبَت بالحلوق...

وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل ذلك قول من قال: معناه: أنها خالية ليس فيها شيء من الخير، ولا تعقل شيئا، وذلك أن العرب تسمي كلّ أجوف خاو: هواء.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {وأفئدتهم هواء} خالية لهول ذلك اليوم، أي خالية عن التدبير، لأن في الشاهد أن من بلي ببلايا وشدائد يتدبر، ويتفكر في دفع ذلك. فيخبر أن أفئدتهم هواء يومئذ أي خالية عن التدبير؛ إذ أفئدتهم، لا تكون معهم لشدة أهواله...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

...حقيقة المعنى من الآية أن القلوب زائلة عن أماكنها، والأبصار شاخصة من هول ذلك اليوم...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

«المهطع» المسرع في مشيه -قاله ابن جبير وقتادة... وذلك بذلة واستكانة، كإسراع الأسير والخائف ونحوه- وهذا هو أرجح الأقوال -وقد توصف الإبل بالإهطاع على معنى الإسراع وقلما يكون إسراعها إلا مع خوف السوط ونحوه... و «المقنع» هو الذي يرفع رأسه قدماً بوجهه نحو الشيء...

{لا يرتد إليهم طرفهم} أي لا يطوفون من الحذر والجزع وشدة الحال،

{وأفئدتهم هواء} تشبيه محض، لأنها ليست بهواء حقيقة، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فرغ الأفئدة من الخير والرجاء والطمع في الرحمة، فهي منخرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه، ويحتمل أن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في صدورهم وأنها تجيء وتذهب وتبلغ على ما روي- حناجرهم -فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبداً في اضطراب...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... قوله: {مهطعين} وفي تفسير الإهطاع أقوال أربعة:

القول الأول: قال أبو عبيدة هو الإسراع. يقال: أهطع البعير في سيره واستهطع إذا أسرع، وعلى هذا الوجه، فالمعنى: أن الغالب من حال من يبقى بصره شاخصا من شدة الخوف أن يبقى واقفا، فبين الله تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد، فإنهم مع شخوص أبصارهم يكونون مهطعين، أي مسرعين نحو ذلك البلاء.

القول الثاني: في الإهطاع قال أحمد بن يحيى: المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع.

والقول الثالث: المهطع الساكت.

والقول الرابع: قال الليث: يقال للرجل إذا قر وذل: أهطع.

قوله: {مقنعي رؤوسهم} والإقناع رفع الرأس والنظر في ذل وخشوع، فقوله: {مقنعي رؤوسهم} أي رافعي رؤوسهم والمعنى أن المعتاد فيمن يشاهد البلاء أنه يطرق رأسه عنه لكي لا يراه، فبين تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد وأنهم يرفعون رؤوسهم.

قوله: {لا يرتد إليهم طرفهم} والمراد من هذه الصفة دوام ذلك الشخوص، فقوله: {تشخص فيه الأبصار} لا يفيد كون هذا الشخوص دائما وقوله: {لا يرتد إليهم طرفهم} يفيد دوام هذا الشخوص، وذلك يدل على دوام تلك الحيرة والدهشة في قلوبهم.

قوله: {وأفئدتهم هواء} الهواء الخلاء الذي لم تشغله الأجرام ثم جعل وصفا فقيل: قلب فلان هواء إذا كان خاليا لا قوة فيه، والمراد بيان أن قلوب الكفار خالية يوم القيامة عن جميع الخواطر والأفكار لعظم ما ينالهم من الحيرة، ومن كل رجاء وأمل لما تحققوه من العقاب ومن كل سرور، لكثرة ما فيه من الحزن...

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

{وأفئدتهم هواء} خلاء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة، ومنه يقال للأحمق وللجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الإهطاع: إسراع المشي مع مد العنق كالمتختل، وهي هيئة الخائف. وإقناع الرأس: طأطأته من الذل، وهو مشتق من قَنَع من باب مَنَع إذا تذلّل...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

{مهطعين}، ومعناها مسرعين فإنهم كانوا في الدنيا يسيرون متئدين مالكي أنفسهم مسيطرين على قواهم، وكما قال في آية أخرى في وصف حالهم يوم القيامة: {مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسير} [القمر 8]، والإهطاع إسراع في ذل وتكسر وخوف وهلع، فبعد أن كانوا يسيرون في الأرض مرحا كأنهم يخرقون الأرض أو يبلغون السماء طولا يسيرون أذلاء خالفين لأول داع، خائفين من أن يكون وراء الدعوة أمر أشد هولا...

وخلاصة هذه المعاني أنهم يكشفون ذلهم وحاجتهم رافعين رءوسهم بالذل والهوان، لا يستتر من أمرهم شيء، فلا يبدون ما يخفون، ويظهرون ما لا يسرون...

بقوله تعالى: {لا يرتد إليهم طرفهم}، والمعنى أن أنظارهم قد استغرقتها الأهوال التي تراها فهي فزعة هلعة قد سمرت أعينهم فيما ترى من عذاب هو عذاب الهول الأكبر، فلا ترجع إليهم، أي لا تعود إلى سيطرتهم فترى ما يجب أن تراه وتمتنع عن رؤية ما لا يجب أن تراه، فهي قد ملكتها تلك المرئية المفزعة ولم يعد له عليها من سلطان...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

المُهطع هو من يظهر من فرط تسرّعه وكأن رقبته قد طالت، لأن المُهطع هو من فيه طول، وكأن الجزاء بالعذاب يجذب المجزيّ ليقربه، فيُدفع في شدة وجفوة إلى العذاب، يقول الحق سبحانه: {يُدعُّون إلى نار جهنم دعّاً} (الطور 13). وكأن هناك من يدفعهم دفعا إلى مصيرهم المؤلم... ولا يستطيع الواحد منهم أن تجفل جفونه، وكأنها مفتوحة رغما عنه، وفؤاده هواء بمعنى: أن لا شيء قادر على أن يدخله. ونحن نلحظ ذلك حين نضع زجاجة فارغة في قلب الماء، فتخرج فقاقيع الهواء مقابل دخول الماء من فوهتها. ونعلم أن قلب المؤمن يكون ممتلئا بالإيمان؛ أما الكافر المُلحد فهو في مثل تلك اللحظة يستعرض تاريخه مع الله ومع الدين، فلا يجد فيها شيئا يُطمئِن، وهكذا يكتشف أن فؤاده خالٍ فارغ؛ لا يطمئن به إلى ما يُواجه به لحظة الحساب...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

إنها الحقيقة الهائلة المرعبة التي لا بد من أن يعيشها كل الناس في الدنيا ليواجهوا الموقف عبرها في الآخرة، ولهذا كان من الضروري للأنبياء وللرسل وللمرشدين من بعدهم أن يقوموا بعملية توعيةٍ وإبلاغٍ وانذارٍ للناس...