التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

ثم نهاه عن التكبر والغرور والتالى على الناس فقال : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } .

والصعر فى الأصل : مرض يصب البعير فيجعله معوج العنق ، والمراد به هنا ، التكبر واحتقار الناس ، ومنه قولا الشاعر :

وكنا إذا الجبَّر صعر خده . . . مشينا إليه بالسيوف نعاتبه

أى : ولا تمل صفحة وجهك عن الناس ، ولا تتعالى عليهم كما يفعل المتكبرون والمغرورون ، بل كن هينا لينا متواضعا ، كما هو شأن العقلاء . .

{ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً } أى : ولا تمش فى الأرض مشية المختالين المعجبين بأنفسهم . و { مَرَحاً } مصدر وقع موقع الحال على سبيل المبالغة ، أو هو مفعول مطلق لفعل محذوف . أى : تمرح مرحا . والجملة فى موضع الحال . أو مفعول لأجله . أى : من أجل المرح .

وقوله : { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } تعليل لنهى . والمختال : المتكبر الذى يختال فى مشيته ، ومنه قولهم : فلان يمشى الخيلاء ، أى يمشى مشية المغرور المعجب بنفسه .

والفخور : المتباهى على الناس بماله أو جاهة أو منصبه . . يقال فخر فلان - كمنع - فهو فاخر وفخور ، إذا تفاخر بما عنده على الناس ، على سبيل التطاول عليهم ، والتنقيص من شأنهم .

أى : إن الله - تعالى - لا يحب من كان متكبرا على الناس ، متفاخرا بماله أو جاهه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

ويستطرد لقمان في وصيته التي يحكيها القرآن هنا إلى أدب الداعية إلى الله . فالدعوة إلى الخير لا تجيز التعالي على الناس ؛ والتطاول عليهم باسم قيادتهم إلى الخير . ومن باب أولى يكون التعالي والتطاول بغير دعوة إلى الخير أقبح وأرذل :

( ولا تصعر خدك للناس ، ولا تمش في الأرض مرحا . إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك ، واغضض من صوتك . إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) . .

والصعر داء يصيب الإبل فيلوي أعناقها . والأسلوب القرآني يختار هذا التعبير للتنفير من الحركة المشابهة للصعر . حركة الكبر والازورار ، وإمالة الخد للناس في تعال واستكبار !

والمشي في الأرض مرحا هو المشي في تخايل ونفخة وقلة مبالاة بالناس . وهي حركة كريهة يمقتها الله ويمقتها الخلق . وهي تعبير عن شعور مريض بالذات ، يتنفس في مشية الخيلاء ! ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

وقوله : { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } يقول : لا تُعرِضْ بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك ، احتقارًا منك لهم ، واستكبارًا عليهم ولكن ألِنْ جانبك ، وابسط وجهك إليهم ، كما جاء في الحديث : " ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه مُنْبَسِط ، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المِخيلَة ، والمخيلة لا يحبها الله " .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } يقول : لا تتكبر فتحقِرَ{[22964]} عبادَ الله ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك . وكذا روى العوفي وعكرمة عنه .

وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } : لا تكَلَّم وأنت معرض . وكذا رُوي عن مجاهد ، وعِكْرِمة ، ويزيد بن الأصم ، وأبي الجوزاء ، وسعيد بن جُبَيْر ، والضحاك ، وابن يزيد ، وغيرهم .

وقال إبراهيم النَّخعِي : يعني بذلك : التشديق في الكلام .

والصواب القول الأول .

قال ابن جرير : وأصل الصَّعَر : داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها ، حتى تُلفَتَ{[22965]} أعناقُها عن رؤوسها ، فشبه به الرجل المتكبر ، ومنه قول عمرو بن حُني التَّغْلبي :

وَكُنَّا إذَا الجَبَّارُ صَعّر خَدّه *** أقَمْنَا لَه مِنْ مَيْلِه فَتَقَوّمَا{[22966]}

وقال أبو طالب في شعره :

وَكُنَّا قَديمًا لا نقرُّ ظُلامَة *** إذا ما ثَنوا صُعْر الرؤوس نُقِيمها {[22967]}

وقوله : { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا } أي : جذلا متكبرًا جبارًا عنيدًا ، لا تفعل ذلك يبغضك الله ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي : مختال معجب في نفسه ، فخور : أي على غيره ، وقال تعالى : {[22968]} { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا } [ الإسراء : 37 ] ، وقد تقدم الكلام على ذلك في موضعه .

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ، حدثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى{[22969]} عن ثابت بن قيس بن شَمَّاس قال : ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدد فيه ، فقال : " إن الله لا يحب كل مختال فخو " . فقال رجل من القوم : والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها ، ويعجبني شِراك نعلي ، وعِلاقة سَوْطي ، فقال : " ليس ذلك الكبر ، إنما الكبر أن تَسْفه الحق وتَغْمِط{[22970]} الناس " {[22971]} .

ورواه من طريق أخرى بمثله ، وفيه قصة طويلة ، ومقتل ثابت ووصيته بعد موته{[22972]} .

/خ19


[22964]:- في ت، أ: "فتحتقر".
[22965]:- في ت: "تلتفت" وفي أ: "بلغت".
[22966]:- البيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة (2/127).
[22967]:- البيت في السيرة النبوية لابن هشام (1/269).
[22968]:- في أ: "وقد قال الله تعالى"
[22969]:- في ت: "وروى الطبراني بإسناده".
[22970]:- في ت، ف: "تغمص".
[22971]:- المعجم الكبير (2/69) وفيه انقطاع بين ابن أبي ليلى وثابت.
[22972]:- المعجم الكبير (2/70) من طريق عبد الرحمن بن يزيد، عن عطاء، عن بنت ثابت بقصة أبيها، وقال الهيثمي في المجمع (9/322): "وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

{ ولا تصعر خدك للناس } لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون من الصعر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه . وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي " ولا تصاعر " ، وقرئ " ولا تصعر " والكل واحد مثل علاه وأعلاه وعالاه . { ولا تمش في الأرض مرحا } أي فرحا مصدر وقع موقع الحال أي تمرح مرحا أو لأجل المرح وهو البطر . { إن الله لا يحب كل مختال فخور } علة للنهي وتأخير ال{ فخور } وهو مقابل للمصعر خده والمختال للماشي مرحا لتوافق رؤوس الآي .