التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

ثم بين - سبحانه - بعض أحوال هؤلاء الظالمين فى هذا اليوم العظيم فقال - تعالى - : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } .

والإِهطاع السير السريع . يقال : أهطع فلان فى مشيه فهو يهطع إهطاعا إذا أسرع فى سيره بذلة واضطراب .

و { مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } أى رافعيها ، يقال : أهطع فلان رأسه ، إذا نصبه ورفعه دنون أن يلتفت يمينا أو شمالا . وقيل ، إقناع الرءوس طأطأتها وانتكاسها .

الأفئدة : جمع فؤاد ، والمراد بها القلوب .

والمعنى : أن هؤلاء الظالمين يخرجون من قبورهم فى هذا اليوم مسرعين إلى الداعى بذلة واستكانة ، كإسراع الأسير الخائف ، رافعى رءوسهم إلى السماء مع إدامة النظر بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شئ .

{ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } أى : لا تتحرك أجفان عيونهم ، بل تبقى مفتوحة بدون حراك لهول ما يشاهدونه فى هذا اليوم العصيب .

{ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } أى : وقلوبهم فارغة خالية عن الفهم ، بحيث لا تعى شيئا من شدة الفزع والدهشة ، ومنه قولهم فى شأن الأحمق والجبان قلبهما هواء ، أى لا رأى فيه ولا قوة .

وأفرد هواء وإن كان خبرا عن جمع لأنه فى معنى فارغة أو خالية .

قال - تعالى - { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً . . . } أى خاليا من كل شئ إلا من التفكير فى شأن مصير ابنها موسى - عليه السلام - .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هؤلاء الظالمين فى هاتين الآيتين بجملة من الصفات الدالة على فزعهم وحيرتهم .

وصفهم أولا بشخوص الأبصار ، ووصفهم ثانيا بالإِسراع إلى الداعى فى ذلة وانكسار ، ووصفهم ثالثا برفع رءوسهم فى حيرة واضطراب ، ووصفهم رابعا : بانفتاح عيونهم دون أن تطرف من شدة الوجل ، ووصفهم خامسا بخلو قلوبهم من إدارك أى شئ بسبب ما اعتراهم من دهشة ورعب .

وقوله - سبحانه - : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } من باب التشبيه البليغ الذى حذفت فيه الأداة ، والتقدير : وقلوبهم كالهواء فى الخلو من الإدراك من شدة الهول .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مُهۡطِعِينَ مُقۡنِعِي رُءُوسِهِمۡ لَا يَرۡتَدُّ إِلَيۡهِمۡ طَرۡفُهُمۡۖ وَأَفۡـِٔدَتُهُمۡ هَوَآءٞ} (43)

28

أخذهم في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع ، فتظل مفتوحة مبهوتة مذهولة ، مأخوذة بالهول لا تطرف ولا تتحرك . ثم يرسم مشهدا للقوم في زحمة الهول . . مشهدهم مسرعين لا يلوون على شيء ، ولا يلتفتون إلى شيء . رافعين رؤوسهم لا عن إرادة ولكنها مشدودة لا يملكون لها حراكا . يمتد بصرهم إلى ما يشاهدون من الرعب فلا يطرف ولا يرتد إليهم . وقلوبهم من الفزع خاوية خالية لا تضم شيئا يعونه أو يحفظونه أو يتذكرونه ، فهي هواء خواء . .

هذا هو اليوم الذي يؤخرهم الله إليه . حيث يقفون هذا الموقف ، ويعانون هذا الرعب . الذي يرتسم من خلال المقاطع الأربعة مذهلا آخذا بهم كالطائر الصغير في مخالب الباشق الرعيب :

( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم ، لا يرتد إليهم طرفهم ، وأفئدتهم هواء ) . .

فالسرعة المهرولة المدفوعة ، في الهيئة الشاخصة المكرهة المشدودة ، مع القلب المفزع الطائر الخاوي من كل وعي ومن كل إدراك . . كلها تشي بالهول الذي تشخص فيه الأبصار .