التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

ثم ساق - سبحانه - قاعدة كلية ، لتحمل كل إنسان نتيجة عمله ، فقال - تعالى - : { مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } .

والفعل { تزر } من الوزر بمعنى الإِثم والحمل والثقل . يقال : وزر يزر وزرا ، أى : أثم ، أو حمل حملا ثقيلا ، ومنه سمى الوزير ، لأنه يحمل أعباء تدبير شئون الدولة .

أى : من اهتدى إلى الطريق المستقيم ، وقدم فى حياته العمل الصالح فثمرة هدايته راجعة إلى نفسه ، ومن ضل عن الطريق القويم ، وفسق عن أمر ربه فوبال ضلاله راجع إليه وحده ، ولا تحمل نفس آثمة ، إثم نفس أخرى ، وإنما تسأل كل نفس عن آثامها فحسب .

وقد تكرر هذا المعنى فى كثير من آيات القرآن الكريم ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } وقوله - تعالى - : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى . . } ولا يتنافى هذا مع قوله - تعالى - : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ . . } وقوله - تعالى - : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ . . } لأن المقصود فى هاتين الآيتين وأشباههما ، أن دعاة الكفر والفسوق والعصيان ، يحملون ذنوبهم يوم القيامة ، ويحملون فوق ذلك جانبا من ذنوب من كانوا هم سببا فى ضلالهم ، لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها - كما جاء فى الحديث الصحيح - فهم يحملون آثام أنفسهم ، والآثام التى كانوا سببا فى ارتكاب غيرهم لها .

كذلك لا يتنافى قوله - تعالى - : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } مع ما ثبت فى الحديث الصحيح عن ابن عمر رضى الله عنهما من " أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه . . " .

لأن العلماء حملوا الحديث على أن يكون الميت قد أوصى بذلك قبل موته ، أو أن يهمل نهيهم عن النوح عليه قبل موته ، مع أنه يعلم أنهم سينوحون عليه ويشقون الجيوب ، ويلطمون الخدود . . فتعذيبه بسبب تفريطه ، وعدم تنفيذه لقوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة . . } وقوله - تعالى - : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً } بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله - تعالى - بعباده - ورأفته بهم ، وكرمه معهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

وبذلك الناموس الكوني الدقيق ترتبط قاعدة العمل والجزاء :

( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . .

فهي التبعة الفردية التي تربط كل إنسان بنفسه ؛ إن اهتدى فلها ، وإن ضل فعليها . وما من نفس تحمل وزر أخرى ، وما من أحد يخفف حمل أحد . إنما يسأل كل عن عمله ، ويجزي كل بعمله ولا يسأل حميم حميما . وقد شاءت رحمة الله ألا يأخذ الإنسان بالآيات الكونية المبثوثة في صفحات الوجود ، وألا يأخذه بعهد الفطرة الذي أخذه على بني آدم في ظهور آبائهم ، إنما يرسل إليهم الرسل منذرين ومذكرين : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وهي رحمة من الله أن يعذر إلى العباد قبل أن يأخذهم بالعذاب .