التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

ثم أخذ القرآن في تسلية المسلمين الذين أخرجوا من مكة وفارقوا المسجد الحرام ، مبيناً لهم أن الجهات كلها لله - تعالى - فقال : { وَللَّهِ المشرق والمغرب . . . }

المشرق والمغرب : مكان شروق الشمس وغروبها ، والمراد بهما هنا جمع جهات الأرض .

واللام في قوله : { وَللَّهِ } تفيد معنى الملك .

والتولية : التوجه من جهة إلى أخرى . و ( ثم ) اسم إشارة للمكان .

والوجه : الجهة ، فوجه الله الجهة التي ارتضاها وأمر بالتوجه إليها وهي القبلة .

والمعنى : أن جميع الأرض ملك لله وحده ، ففي أي مكان من المشرق والمغرب توليتم شطر القبلة التي أمركم الله بها ورضيها لكم ، فهناك جهته - سبحانه - التي أمرتم بها ، والتي تبرأ ذممكم باستقبالها .

ومعنى هذا : الإذن بإقامة الصلاة في أي مكان من الأرض دون أن تختص بها المساجد ، ففي الحديث الشريف : " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " .

وكأن الآية تومى ، إلى أن سعى أولئك الظالمين في منع المساجد من ذكره - تعالى - وتخريبها ، لا يمنع من أداء العبادة لله - تعالى - : لأن له المشرق والمغرب وما بينهما ، فأينما حل الإِنسان وتحرى القبلة المأمور بالتوجه إليها فهناك جهة الله المطلوب منه استقبالها .

وذيلت الآية بقوله { إِنَّ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } لإِفادة سعة ملكه أو سعة تيسيره على عباده في أمر الدين : أي : إن الله يسع خلقه جميعاً برحمته وتيسيره وجوده وهو عليم بأعمالهم لا يخفى عليه عمل عامل أنيما كان وكيفما كان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (115)

104

والذي يجعلنا نرجح أن الآيتين نزلتا في مناسبة تحويل القبلة ، هو الآية الثانية منهما :

( ولله المشرق والمغرب ، فأينما تولوا فثم وجه الله ، إن الله واسع عليم ) .

فهي توحي بأنها جاءت ردا على تضليل اليهود في ادعائهم إن صلاة المسلمين إذن إلى بيت المقدس كانت باطلة ، وضائعة ولا حساب لها عند الله ! والآية ترد عليهم هذا الزعم ، وهي تقرر أن كل اتجاه قبلة ، فثم وجه الله حيثما توجه إليه عابد . وإنما تخصيص قبلة معينة هو توجيه من عند الله فيه طاعة ، لا أن وجه الله - سبحانه - في جهة دون جهة . والله لا يضيق على عباده ، ولا ينقصهم ثوابهم ، وهو عليم بقلوبهم ونياتهم ودوافع اتجاهاتهم . وفي الأمر سعة . والنية لله ( إن الله واسع عليم ) . . .