وقوله - تعالى - { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } الخطاب فيه للنبى صلى الله عليه وسلم والمراد كل مكلف من أمته .
والمراد بالحسنة ما يسر له الإِنسان ويفرح به ، والمراد بالسيئة ما يسوءه ويحزنه .
والمعنى : { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } أى من نعمة وأمور حسنة تفرح بها { فَمِنَ الله } أى فبتوفيقه لك وتفضله عليك ، وإرشادك إلى الوسائل التى أوصلتك إلى ما يسرك . { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ } أى من مصيبة أو غيرها مما يحزن { فَمِن نَّفْسِكَ } أى : فمن نفسك بسبب وقوعها فيما نهى الله عنه ، وتركها للأسباب الموصلة إلى النجاح ، كما قال - تعالى : { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } وروى الترمذى عن أبى موسى الأشعرى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصيب عبداً نكتة فما فوقها أو دونها إلا بذنب . وما يعفو الله عنه أكثر " قال وقرأ : { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } .
وروى ابن عساكر عن البراء - رضى الله عنه - عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيدكم . وما يعفو الله أكثر " .
وعلى هذا يكون قوله - تعالى - { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } . . إلخ من كلام الله - تعالى - والخطاب فيه للنبى صلى الله عليه وسلم والمراد به كل مكلف - كما سبق أن أشرنا - وقد ساقه - سبحانه - على سبيل الاستئناف ردا على مزاعم المنافقين ومن هم على شاكلتهم فى الكفر وضعف الإِيمان .
وقيل إن هذه الآية حكاية من الله - تعالى - لأقوال المنافقين السابقة ، فكأنهم لم يكتفوا بأن ينسبوا للرسول صلى الله عليه وسلم أنه السبب فيما أصابهم من جدب وهزيمة . بل أضافوا إلى ذلك قولهم له : إن ما أصابك من حسنة فمن الله ولا فضل لك فيما نلت من نصر أو غنيمة ، وما أصابك من سيئة أى هزيمة أو مصيبة فمن سوء صنعك وتصرفك .
ومقصدهم من ذلك - قبحهم الله - تجريد النبى صلى الله عليه وسلم من كل فضل ، وإلقاء اللوم عليه فى كل ما يصبهم من مصائب .
وقد أشار القرطبى إلى هذين القولين بقوله : قوله - تعالى - { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم والمراد أمته . أى ما أصابكم يا معشر الناس من خصب واتساع رزق فمن تفضل الله عليكم ، وما أصابكم من جدب وضيق رزق فمن أنفسكم أى من أجل ذنوبكم وقع ذلك بكم .
وقيل : فى الكلام حذف تقديره : يقولون . وعليه يكون الكلام متصلا ، والمعنى : { فَمَالِ هؤلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } حتى يقولوا { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } .
وقال الجمل : فإن قلت : كيف وجه الجمع بين قوله - تعالى : { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله } وبين قوله { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } فأضاف السيئة إلى فعل العبد فى هذه الآية - بينما أضاف الكل إلى الله فى الآية السابقة - ؟
قلت : أما إضافة الأشياء كلها إلى الله فى الآية السابقة فى قوله { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله } فعلى الحقيقة ، لأن الله هو خالقها وموجدها . وأما إضافة السيئة إلى فعل العبد فى قوله { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } فعلى سبيل المجاز . والتقدير : وما أصابك من سيئة فمن أجلها وبسبب اقترافها الذنوب . وهذا لا ينافى أن خلقها من الله - كما سبق .
وقال بعض العلماء : والتوفيق بين قوله - تعالى - { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } وبين قوله قبل ذلك : { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله } هو أن قوله { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله } كان موضوعه الكلام فى تقدير الله . فهم إن انتصر المؤمنون لا ينسبون للنبى صلى الله عليه وسلم أى فضل ، بل يجردونه من الفضل ويقولون هو من عند الله . وما قصدوا التفويض والإِيمان بالقدر ، بل قصدوا الغض من مقام النبوة . فإن كان هناك خير نسبوه إلى الله وإن كان ما يسوء نسبوه إلى النبى صلى الله عليه وسلم إيذاء وتمردا . فالله تعالى - قال لهم : { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله } ، أى كل ذلك بتقدير الله وإرادته .
أما قوله { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } فموضوعه اتخاذ الأسباب . ومعناه : أن من أخذ بالأسباب وتوكل على الله فالله - تعالى - يعطيه النتائج ومن لا يتخذ الأسباب ، أو يخالف المنهاج السليم الموصل إلى الثمرة ، فإنه سيناله ما يسوؤه ، وبسب منه .
هذا ، وقوله - تعالى - { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وكفى بالله شَهِيداً } بيان لجلال منصبه وعلو مكانته صلى الله عليه وسلم عند ربه - عز وجل - بعد بيان بطلان زعمهم الباطل فى حقه عليه الصلاة والسلام .
أى : وأرسلناك - يا محمد - بأمرنا وبشريعتنا لتليغ الناس ما أمرناك بتبليغه ، ولتخرجهم من ظلمات الجهالة والكفر إلى نور التوحيد والإِيمان { وكفى بالله شَهِيداً } على صحة رسالتك ، وعلى صدقك فيما تبلغه عنه ، وإذا ثبت ذلك فالخير فى طاعتك والشر والشؤم فى مخالفتك .
والمراد بالناس جميعهم . أى : وأرسلناك لجميع الناس كما قال - تعالى - { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } وقوله { رَسُولاً } حال مؤكدة لعاملها وهو أرسلناك .
وقوله { وكفى بالله شَهِيداً } تثبيت وتقوية لقلب النبى صلى الله عليه وسلم .
أى : امض فى طريقك ولا تلتفت إلى أقوالهم ، وكفى بالله عليك وعليهم شهيدا ، فإنه - سبحانه - لا يخفى عليه أمرك وأمرهم .
{ مّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَكَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } : ما يصيبك يا محمد من رخاء ونعمة وعافية وسلامة ، فمن فضل الله عليك يتفضل به عليك إحسانا منه إليك . وأما قوله : { وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يعني : وما أصابك من شدّة ومشقة وأذى ومكروه ، فمن نفسك ، يعني : بذنب استوجبتها به اكتسبته نفسك . كما :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } أما من نفسك ، فيقول : من ذنبك .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } عقوبة يا ابن آدم بذنبك . قال : وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «لا يُصِيبُ رَجُلاً خَدْشُ عُودٍ وَلا عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلا اخْتِلاجُ عِرْقٍ إلاّ بِذَنْبٍ ، وَما يَعْفُوا اللّهُ أكْثَرُ » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يقول : الحسنة : ما فتح الله عليه يوم بدر وما أصابه من الغنيمة والفتح ، والسيئة : ما أصابه يوم أُحد أن شجّ في وجهه وكسرت رباعيته .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يقول : بذنبك . ثم قال : { كُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ } النعم والمصيبات .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر ، قالا : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } قال : هذه في الحسنات والسيئات .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }قال : عقوبة بذنبك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } بذنبك ، كما قال لأهل أُحد : { أوَ لَمّا أصَابَتْكُمْ مُصِيَبةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ } بذنوبكم .
حدثني يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : { ماأصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } قال : بذنبك ، وأنا قدرتها عليك .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أصَابَكَ مِنْ سَيّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } وأنا الذي قدرتها عليك .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، قال : حدثنيه إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح ، بمثله .
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وما وجه دخول «من » في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } و{ مِنْ سَيّئَةٍ } ؟ قيل : اختلف في ذلك أهل العربية ، فقال بعض نحويي البصرة : أدخلت «من » ، لأن «من » تحسن مع النفي ، مثل : ما جاءني من أحد . قال : ودخول الخبر بالفاء لازما بمنزلة «مَنْ » . وقال بعض نحويي الكوفة : أدخلت «مِنْ » مع «ما » ، كما تدخل على «إن » في الجزاء لأنهما حرفا جزاء ، وكذلك تدخل مع «مَن » إذا كانت جزاء ، فتقول العرب : مَنْ يزرك مِنْ أحد فتكرمه ، كما تقول : إنْ يزرك مِنْ أحد فتكرمه . قال : وأدخلوها مع «ما » و«مَنْ » ، ليعلم بدخولها معهما أنهما جزاء . قالوا : وإذا دخلت معهما لم تحذف ، لأنها إذا حذفت صار الفعل رافعا شيئين ، وذلك أن «ما » في قوله : { ما أصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } رفع بقوله : { أصَابَكَ } فلو حذفت «مِنْ » رفع قوله : { أصَابَكَ } السيئة ، لأن معناه : إن تصبك سيئة ، فلم يجز حذف «من » لذلك ، لأن الفعل الذي هو على فعَل أو يَفعل لا يرفع شيئين ، وجاز ذلك مع «مَنْ » ، لأنها تشتبه بالصفات ، وهي في موضع اسم ، فأما «إن » ، فإن «من » تدخل معها وتخرج ، ولا تخرج مع «أيّ » لأنها تعرب فيبين فيها الإعراب ، ودخلت مع «ما » لأن الإعراب لا يظهر فيها .
القول في تأويل قوله تعالى : { وأرْسَلْناكَ للنّاسِ رَسُولاً وكَفَى باللّهِ شَهيدا } .
يعني بقوله جل ثناؤه : { وأرْسَلْناكَ للنّاسِ رَسُولاً } : إنما جعلناك يا محمد رسولاً بيننا وبين الخلق تبلغهم ما أرسلناك به من رسالة ، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرسالة إلى من أرسلت ، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم ، وإن ردوا فعليها . { وكَفَى بالله } عليك وعليهم { شَهِيدا } يقول : حسبك الله تعالى ذكره شاهدا عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه ، وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم ، فإنه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم ، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك ، ومجازيهم ما عملوا من خير وشر جزاء المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .
قالت فرقة : { ما } شرطية ، ودخلت { من } بعدها لأن الشرط ليس بواجب فأشبه النفي الذي تدخله { من } ، وقالت فرقة { ما } بمعنى الذي ، و { من } لبيان الجنس ، لأن المصيب للإنسان أشياء كثيرة : حسنة وسيئة ، ورخاء وشدة ، وغير ذلك ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وغيره داخل في المعنى ، وقيل : الخطاب للمرء على الجملة ، ومعنى هذه الآية عند ابن عباس وقتادة والحسن والربيع وابن زيد وأبي صالح وغيرهم ، القطع واستئناف الإخبار من الله تعالى ، بأن الحسنة منه وبفضله ، والسيئة من الإنسان بإذنابه ، وهي من الله بالخلق والاختراع ، وفي مصحف ابن مسعود ، «فمن نفسك » «وأنا قضيتها عليك »{[4156]} وقرأ بها ابن عباس ، وحكى أبو عمرو أنها في مصحف ابن مسعود «وأنا كتبتها » وروي أن أبياً وابن مسعود قرآ «وأنا قدرتها عليك » ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي عليه السلام معناها : أن ما يصيب ابن آدم من المصائب ، فإنما هي عقوبة ذنوبه ، ومن ذلك أن أبا بكر الصديق لما نزلت { من يعمل سوءاً يجز به }{[4157]} جزع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «ألست تمرض ؟ ألست تسقم ؟ ألست تغتم ؟ »{[4158]} وقال أيضاً عليه السلام : «ما يصيب الرجل خدشة عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر »{[4159]} ففي هذا بيان أو تلك كلها مجازاة على ما يقع من الإنسان ، وقالت طائفة : معنى الآية كمعنى التي قبلها في قوله : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله } [ النساء : 78 ] على تقدير حذف يقولون ، فتقديره : فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ، يقولون : ما أصابك من حسنة ، ويجيء القطع على هذا القول من قوله : { وأرسلنا } وقالت طائفة : بل القطع في الآية من أولها ، والآية مضمنة الإخبار أن الحسنة من الله وبفضله ، وتقدير ما بعده { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } ، على جهة الإنكار والتقرير{[4160]} ، فعلى هذه المقالة ألف الاستفهام محذوفة من الكلام{[4161]} ، وحكى هذا القول المهدوي ، و { رسولاً } نصب على الحال ، وهي حال تتضمن معنى التأكيد في قوله تعالى ، { وأرسلناك للناس رسولاً } ثم تلاه بقوله : { وكفى بالله شهيداً } توعد للكفرة ، وتهديد تقتضيه قوة الكلام ، لأن المعنى شهيداً على من كذبه .