الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (156)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإخوانهم . . . } [ آل عمران :156 ]

نَهَى اللَّه المؤمنِينَ ، أنْ يكونوا مثل الكفَّار المنافقين في هذا المعتقَدِ الفاسِدِ الذي هو أنَّ من سافر في تجارةٍ ونحوها ، ومَنْ قَاتَلَ فَقُتِلَ ، لو قعد في بَيْته لعاش ، ولم يَمُتْ في ذلك الوَقْتِ الذي عَرَّض فيه نَفْسه للسَّفَر أو للقِتَال ، وهذا هو مُعْتَقَدُ المعتزلة في القَوْل بالأَجَلَيْنِ ، أو نحو منْه ، وصرَّح بهذه المقالة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيٍّ المُنَافِقُ ، وأصحابه ، قاله مجاهد وغيره ، والضَّرْبُ في الأرض : السيرُ في التِّجَارة ، و( غُزًّى ) : جمعُ غازٍ .

وقوله تعالى : { لِيَجْعَلَ الله ذلك } الإشارةُ بذَلِكَ إلى هذا المعتقد الَّذي جعله اللَّه حَسْرةً لهم ، لأن الذي يتيقن أنَّ كل قَتْل ومَوْت ، إنما هو بأجَلٍ سابقٍ ، يجدُ برد اليأسِ والتسليمِ للَّه سبحانه على قلبه ، والذي يَعْتَقِدُ أنَّ حميمه لو قعد في بَيْته ، لم يَمْتُ ، يتحسَّر ويتلهَّف ، وعلى هذا التأويل ، مَشَى المتأوِّلونَ ، وهو أظهرُ مَا في الآية ، والتحسُّرُ : التلهُّفُ على الشيء ، والغَمُّ به .

وقوله سبحانه : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } توكيدٌ للنهيْ في قوله : { ولاَ تَكُونُواْ } ووعيدٌ لمن خالفه ، ووَعْدٌ لمن امتثله .