الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (156)

قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالذِينَ كَفَرُوا ) الآية [ 156 ] . نهى الله المؤمنين أن يكونوا مثل المنافقين ( كَالذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمُ إِذَا ضَرَبُوا فِي الاَرْضِ ) أي : إذا خرجوا إلى سفر في تجارة ( أَوْ كَانُوا غُزىً ) أي : خرجوا لغزو ، فهلكوا في سفرهم أو غزوهم ، ( لَّوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا ) في سفرهم ( وَمَا قُتِلُوا ) في غزوهم ، جعل الله قولهم ذلك حسرة في قلوبهم . وروي أن المنافقين قالوا في من بعثه النبي صلى الله عليه وسلم من السرايا إلى بئر معونة( {[11089]} ) ، فقتلوا رحمة الله عليهم ( لَّوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ) وهم عبد الله بن أبي بن سلول ، وأصحابه قالوا ذلك( {[11090]} ) ، وأصل الضرب في أرض الإبعاد . وأصل الكلام أن يكون في موضع ( إذا ) : ( إذ ) لأن في الكلام معنى الشرط ، إذ فيه الذين ، وإنما وقعت إذا موضع إذ كما يقع الماضي في الجزاء موضع المستقبل ، فتقول إن تزرني زرتك .

أي : أزورك ، فكذلك وقعت إذا وهي للمستقبل موضع إذ ، ومثله ( إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ )( {[11091]} ) وقع [ كفروا ] موضع يكفرون لأن الذي فيه معنى الجزاء ، فجاز فيه ما يجوز في الجزاء ، ودل على يكفرون قوله : ( وَيَصُدُّونَ )( {[11092]} ) . ثم أخبر تعالى [ أنه( {[11093]} ) ] يحيي من يشاء ويميت من يشاء ليس جلوسهم عندهم بمنجيهم من الموت ، ولا مسيرهم لسفر أو غزاة( {[11094]} ) بمقرب لما بعد من آجالهم ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) أي : بعمل هؤلاء المنافقين بصير ، فهذا على قراءة من قرأ بالياء ، فذكر المنافقين أقرب . ومن قرأ بالتاء رده على أول الكلام في قوله ( لاَ( {[11095]} ) تكُونُوا كَالذِينَ كَفَرُوا ) وكان الياء أقوى لأن الذين وضع عليهم الدم أولى بالتهديد من غيرهم ، وكلا الأمرين حسن( {[11096]} ) .


[11089]:- (ب) معوية (د) من السر إلى معوية، وبئر معونة في أرض بني سليم فيما بين مكة والمدينة. انظر: معجم البلدان 1/302.
[11090]:- تتلخص قصتهم في أن أبا براء عامر بن مالك قدم المدينة فعرض عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام فلم يسلم، ولم يبعد، وطلب من الرسول أن يبعث معه رجالاً إلى نجد يدعونهم إلى الله فبعث معه أربعين رجلاً من خيار المسلمين، فغدر بهم عامر بن الطفيل في بئر معونة، وقد وجهوا إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال المنافقون ما قالوا. انظر: سيرة ابن هشام 2/183.
[11091]:- الحج آية 25.
[11092]:- انظر: الكتاب 5/284، ومعاني الفراء 1/243.
[11093]:- ساقط من (ج).
[11094]:- (ج) (د): في سفر وغزاة.
[11095]:- (ج): ولا تكونوا وهو خطأ.
[11096]:- في تعلمون قراءتان التاء والياء، تعلمون قراءة الجمهور ويعلمون قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي. انظر: الحجة 115 وحجة القراءات 177 الكشف 1/361، والعنوان 81.