السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (156)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا } أي : المنافقين وهم ابن أبي وأصحابه { وقالوا لإخوانهم } أي : في شأنهم ومعنى إخوانهم اتفاقهم في النفاق والكفر وقيل : في النسب { إذا ضربوا في الأرض } أي : سافروا فيها لتجارة أو غيرها فماتوا { أو كانوا غزى } أي : غزاة جمع غاز فقتلوا { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } أي : لا تقولوا كقولهم { ليجعل الله ذلك } القول في عاقبة أمرهم { حسرة في قلوبهم } أي : لأنهم إذا ألقوا تلك الشبهة على المؤمنين لم يلتفتوا إليهم فيضيع سعيهم ويبطل كيدهم فتحصل الحسرة في قلوبهم . وقيل : إنّ اجتهادهم في تكثير الشبهات وإلقاء الضلالات يعمي قلوبهم فيقعون عند ذلك في الحسرة والخيبة وضيق الصدر وهو المراد بقوله تعالى : { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً } ( الأنعام ، 125 ) .

فإن قيل : كيف قيل إذا ضربوا مع قالوا ؟ أجيب : بأنّ ذلك هي حكاية الحال الماضية قال التفتازاني معناه : إنك تقدّر نفسك كأنك موجود في ذلك الزمان الماضي ، أو تقدر ذلك الزمان كأنه موجود الآن وهذا كقولك : قالوا ذلك حين يضربون والمعنى : حين ضربوا إلا أنك جئت بلفظ المضارع استحضاراً لصورة ضربهم في الأرض وقوله تعالى : { والله يحيي ويميت } ردّ لقولهم . أي : هو المؤثر في الحياة والممات لا الإقامة والسفر ، فإنه تعالى قد يحيي المسافر والمغازي ويميت المقيم والقاعد { والله بما تعملون بصير } قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة ردّاً على الذين كفروا ، والباقون بتاء الخطاب ردّاً على قوله : ولا تكونوا وهو خطاب للمؤمنين وفيه تهديد لهم على أن يماثلوهم .