فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (156)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا } نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بمن جحد أو نافق ولم يستيقن بحقائق الدين { وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } فإن قيل كيف يخاطبون من مات أو قتل ؟ أجيب بأنه ربما كان هذا من قول بعض الكافرين والمنافقين لبعضهم الآخر يقول فريق منهم لإخوانه في النسب أو في الكفر والنفاق لو أطعنا الذين سافروا للتجارة أو قضاء الأوطار ولم يخرجوا ما ماتوا ولو بقي معنا الذين ذهبوا للغزو وقعدوا ما قتلوا ، ومن المفسرين من ذهب إلى أن اللام العاقبة في قول الله سبحانه { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } أي هذا القول والتخيل والتثبيط عن الانتشار في الأرض والخروج لملاقاة العدو يعقب أصحابه حسرة وندامة يوم القيامة حين يرون ثواب الساعين والمجاهدين – ومنهم من قال متعلق اللام قول المولى جل ثناؤه : { لا تكونوا } أي لا تكونوا مثلهم فإن مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون تزيد من غمهم وغيظهم في الدنيا والآخرة { والله يحيي ويميت } رد لجهالتهم وجواب عن مقالتهم أي الأمر بيده والخلق له فقد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد وعلى المكلف أن يتلقى أوامره بالامتثال ، فالله أعلم بحقيقة الأحوال ولا يجزي الأمور إلا على وفق إمضائه وإحكامه ونقضه وإبرامه وكل ميسر لما خلق له-{[1190]} [ وهذا من الله عز وجل ترغيب لعباده المؤمنين على جهاد عدوه والصبر على قتالهم وإخراج هيبتهم من صدورهم وإن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم وأعداء الله وإعلام منه لهم أن الإحياء والإماتة بيده وأنه لن يموت أحد ولا يقتل إلا بعد فناء أجله الذي كتب له ، ونهي منه لهم إذ كان كذلك أن يجزعوا الموت من مات منهم أو قتل من قتل منهم في حرب المشركين ، ثم قال جل ثناؤه { والله بما تعملون بصير } إن الله يرى ما تعملون من خير ومن شر فاتقوه أيها المؤمنون فإنه محص ذلك كله حتى يجازي كل عامل بعمله .


[1190]:من تفسير غرائب القرآن.