غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (156)

151

ثم ندب إلى المؤمنين ما يزيد رغبتهم في الجهاد فقال : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا } قيل : إنه عام . وقيل : يعني المنافقين . وقيل : منافقي يوم أحد كعبد الله بن أبيّ وأصحابه . وفيه دليل على أن الإيمان ليس عبارة عن مجرد الإقرار باللسان كما يقوله الكرامية وإلا لم يسم المنافق كافراً { وقالوا لإخوانهم } أي لأجل إخوانهم مثل { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه }[ الأحقاف :11 ] وذلك أنهم قالوا : { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } والميت والمقتول لا يكلم . وعلى تقدير فرض التكلم كان المناسب أن لو قيل : لو كنتم عندنا ما متم وما قتلتم . ومعنى الأخوة اشتراك النسب . فلعل المقتولين كانوا أقارب المنافقين وإن كانوا مسلمين . أو اتفاق الجنس فلعل بعض المنافقين صار مقتولاً في بعض الغزوات . والضرب في الأرض الإبعاد فيها للتجارة وغيرها . والغزو قصد محاربة العدو قريباً كان أو بعيداً . والفاعل غاز والجمع غُزَّىً مثل : سابق وسبق ، وراكع وركع ، وإنما قال : { إذا ضربوا } دون " إذ ضربوا " أو " حين ضربوا " ليشاكل في المعنى قوله : { وقالوا } لأنه أراد حكاية الحال الماضية .

والمعنى أن إخوانهم إذا ضربوا في الأرض . فالكافرون يقولون : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا . فمن أخبر عنهم بعد ذلك لا بد أن يقول : " قالوا " . ويجوز أن يكون { قالوا } في تقدير " يقولون " لكنه وقع التعبير عنه بلفظ الماضي لأنه لازم الحصول في المستقبل مثل { أتى أمر الله }[ النحل :1 ] وفيه دلالة على أن جدهم واجتهادهم في تقرير هذه الشبهة قد بلغ الغاية ، فكأن هذا المستقبل كالكائن الواقع . ويمكن أن يقال : عبر عن المستقبل بلفظ الماضي ليعلم أن المقصود الإخبار عن جدّهم واجتهادهم في تقرير هذه الشبهة . وقال قطرب : كلمة " إذ " و " إذا " يجوز إقامة كل منهما مقام الأخرى ، وهذا وإن لم يوجد له في كلام العرب نظير ، لكن القرآن أولى ما يستشهد به وهو حجة على غيره وليس غيره حجة عليه ، قال الواحدي : في الكلام محذوف والتقدير : إذا ضربوا في الأرض فماتوا أو كانوا غزى فقتلوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا . وأما اللام في قوله : { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } ففي متعلقه وجهان : الأول أنه { قالوا } أي قالوا ذلك الكلام واعتقدوه ليجعل الله ذلك الكلام حسرة فتكون لام العاقبة كقوله تعالى :{ فلتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً }[ القصص :8 ] وكيف استعقب ذلك القول حصول الحسرة ؟ فيه وجوه : فقيل : لأن أقارب ذلك المقتول إذا سمعوا هذا الكلام تخيلوا أنهم لو بالغوا في منعه عن ذلك السفر أو الغزو لم يمت أو لم يقتل فازدادت حسرتهم وتلهفهم بسبب أنهم قصروا في منعه ، بخلاف المسلم المعتقد في أن الحياة والموت لا يكونان إلا بتقدير الله فإنه لا يحصل له شيء من هذا النوع من الأسف . وقيل : لأنهم إذا ألقوا هذه الشبهة إلى إخوانهم تثبطوا عن الجهاد ، فإذا نال المسلمون في الجهاد غنيمة بقي أولئك المتخلفون في الخيبة والندامة . وقيل : المراد حسرتهم يوم القيامة إذا رأوا ثواب المجاهدين . وقيل : المقصود خيبتهم عن ترويج شبهتهم بعد ما أعلم الله المؤمنين بطلانها . وقيل : الغرض أن جدهم واجتهادهم في تكثير الشبهات يقسي قلوبهم ويضيق صدورهم فيقعون لذلك في الحيرة والحسرة . الوجه الثاني : أن متعلق اللام قوله : { لا تكونوا } وذلك إشارة إلى ما دل عليه النهي أي لا تكونوا مثلهم ليجعل الله ذلك الانتفاء انتفاء كونكم مثلهم حسرة ، لأن مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون مما يغمهم ويغيظهم { والله يحيي ويميت } رد لجهالتهم وجواب عن مقالتهم أي الأمر بيده والخلق له . فقد يحيي المسافر والغازي ، ويميت المقيم والقاعد . فعلى المكلف أن يتلقى أوامره بالامتثال ، فالله أعلم بحقيقة الأحوال ولا يجري الأمور إلا على وفق إمضائه وأحكامه ونقضه وإبرامه وكل ميسر لما خلق له .

عن خالد بن الوليد أنه قال عند موته : ما فيّ موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة وها أناذا أموت كما يموت الغير فلا نامت أعين الجبناء . وفي أمثالهم " الشجاع موقى والجبان ملقى " . وكان عليّ يقول : إن لم تقتلوا تموتوا والذين نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش ، ويجوز أن يكون المراد : والله يحيي قلوب أوليائه بنور اليقين والعرفان ، ويميت قلوب أعدائه بظلمة الشك والخذلان { والله بما تعملون بصير } فلا تكونوا مثلهم . ومن قرأ على الغيبة فالضمير للذين كفروا ويكون وعيداً لهم .

/خ160