فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (156)

( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا ) هم المنافقون الذين قالوا : لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ههنا ( وقالوا لإخوانهم ) في النفاق او في النسب أي قالوا لأجلهم ( إذا ضربوا ) أي ساروا وسافروا وبعدوا ( في الأرض ) للتجارة ونحوها ، قال مجاهد : هذا قول عبد الله بن أبي بن سلول والمنافقين وعن السدى نحوه ( أو كانوا غزا ) جمع غاز كراكع وركع وغائب وغيب وقياسه غزاة كرام ورماة ( لو كانوا ) مقيمين ( عندنا ما ماتوا وما قتلوا ) أي لا تقولوا كقولهم .

( ليجعل الله ذلك ) يعني قولهم وظنهم في عاقبة أمرهم ، والجعل هنا بمعنى التصيير واللام العاقبة ( حسرة في قلوبهم ) يعني غما وتأسفا أي قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم ، والمراد انه صار ظنهم انهم لو لم يخرجوا ولم يحضروا ما قتلوا حسرة ، وقيل معناه لا تكونوا مثلهم في اعتقاد ذلك ليجعله الله حسرة في قلوبهم فقط دون قلوبكم .

قال الزمخشري :هو النطق بالقول والاعتقاد ، وقيل المعنى لا تلتفتوا إليهم ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة في قلوبهم ، وأجاز ابن عطية أن يكون النهي والانتهاء معا وقيل المراد حسرة يوم القيامة لما فيه من الخزي والندامة .

( والله يحيى ويميت ) فيه رد على قولهم أي ذلك بيد الله سبحانه يصنع ما يشاء ويحكم ما يريد فيحيي من يريد . ويميت من يريد ، من غير ان يكون للسفر أو الغزو أثر في ذلك . فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي مع اقتحامهما لموارد الموت . ويميت المقيم والقاعد مع حيازتهما لأسباب السلامة . والمعنى أن السفر والغزو ليسا مما يجلب الموت ، والقعود لا يمنع منه .

( والله بما تعملون ) بالتاء والياء من خير وشر ( بصير ) فيجازيكم به فاتقوه تهديد للمؤمنين أي لا تكونوا مثل المنافقين المذكورين في تنفير المؤمنين عن الجهاد . أو وعيد للذين كفروا ، واللفظ عام شامل لقولهم المذكور ولمنشئه الذي هو اعتقادهم .