الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (156)

{ وَقَالُواْ لإخوانهم } أي لأجل إخوانهم ، كقوله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] ومعنى الأخوّة : اتفاق الجنس أو النسب { إِذَا ضَرَبُواْ في الأرض } إذا سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها { أو كَانُواْ غزى } جمع غاز ، كعاف وعفى ، كقوله : عفى الحياض أجون . وقرئ بتخفيف الزاي على حذف التاء من غزاة .

فإن قلت : كيف قيل : { إِذَا ضَرَبُواْ } مع { قَالُواْ } ؟ قلت : هو على حكاية الحال الماضية ، كقولك : حين يضربون في الأرض

فإن قلت : ما متعلق ليجعل ؟ قلت : قالوا ، أي قالوا ذلك واعتقدوه ليكون { حَسْرَةً فِى قُلُوبِهِمْ } على أنّ اللام مثلها في { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] أو لا تكونوا ، بمعنى : لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واعتقاده ، ليجعله الله حسرة في قلوبهم خاصة ويصون منها قلوبكم .

فإن قلت : ما معنى إسناد الفعل إلى الله تعالى ؟ قلت : معناه أنّ الله عز وجل عند اعتقادهم ذلك المعتقد الفاسد يضع الغم والحسرة في قلوبهم ، ويضيق صدورهم عقوبة ، فاعتقاده فعلهم وما يكون عنده من الغم والحسرة وضيق الصدور فعل الله عز وجل كقوله : { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السماء } [ الأنعام : 125 ] ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما دلّ عليه النهى ، أي لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم ، لأنّ مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون ومضادّتهم ، مما يغمهم ويغيظهم { والله يُحْيىِ وَيُمِيتُ } ردٌّ لقولهم . أي الأمر بيده ، قد يحيي المسافر والغازي ، ويميت المقيم والقاعد كما يشاء . وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال عند موته : مافيّ موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة ، وها أنا ذا أموت كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فلا تكونوا مثلهم . وقرى بالياء ، يعني الذين كفروا .