الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

قوله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً }[ آل عمران :30 ] .

قال ابنُ هِشَامٍ في «المُغْنِي » : ( يَوْم ) نصْبٌ بمحذوفٍ ، تقديره : اذكُروا أو احذروا ، ولا يصحُّ أنْ يكون ظرفًا ليحذِّركم ، كما زعم بعضُهم ، لأن التحذير في الدنيا وَقعَ لا في الآخرة ، اه .

وقوله تعالى : { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ } ، يحتمل أنْ تكون ( مَا ) معطوفةً على ( مَا ) الأولى ، فهي في موضعِ نَصْب ، ويكون ( تَوَدُّ ) في موضعِ الحالِ ، وإِليه ذهب الطبريُّ وغيره ، ويحتملُ أنْ تكون ( مَا ) رُفِعَ بالاِبتدَاء ، والخبر في قوله : ( تَوَدُّ ) وما بعده ، والأَمَدُ : الغايةُ المحْدُودة من المكانِ أو الزَّمَان .

وقوله تعالى : { والله رَءُوفٌ بالعباد } يحتمل أنْ يكون إشارةً إِلى أنَّ تحذيره رأْفَةٌ منه سبحانه بعباده ، ويحتملُ أنْ يكونَ ابتداء إِعلام بهذه الصفَةِ ، فمقتضى ذلك : التأنيسُ ، لئلا يفرطَ الوعيدُ على نَفْس مؤمن ، فسبحانه مَا أرحمه بعباده ، وعن مَنْصُورِ بْنِ عَمَّار ، أنه قال : أعقلُ النَّاس مُحْسِنٌ خَائِفٌ ، وأجْهَلُ النَّاسِ مُسِيءٌ آمنٌ ، فلما سمع عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَان منْه هذا الكلامَ ، بكى حتى بَلَّ ثيابه ، ثم قال له : اتل عَلَيَّ ، يا مَنْصُورُ ، شَيْئاً منْ كتابِ اللَّهِ ، فتلا عليه : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً . . . } الآيَةَ ، فَقَالَ عَبْدُ المَلِكِ : قَتَلْتَنِي ، يَا مَنْصُورُ ، ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ ، اه .