فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ} (213)

{ مبشرين } مخبرين بحسن مآب الأتقياء .

{ منذرين } محذرين من سوء عاقبة الأشقياء . { بغيا } ظلما وتعديا .

{ صراطا } طريق .

{ كان الناس أمة واحدة } يمكن أن يكون هذا خبرا عن البشر بعد الطوفان الذي أهلك الله تعالى به من كذب رسوله نوحا عليه الصلاة والسلام فقد عمر الأرض إذ ذاك أهل الإيمان على قلتهم لكنهم كانوا متوحدين على الحق .

{ فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } لعل هنا محذوفا تقديره : فاختلفوا فبعث الله النبيين إذ بعد موت نوح عليه السلام دب الخلاف في الناس فمنهم من آمن ومنهم من كفر فأرسل الله تعالى الرسل تدعو إلى التوحيد والإسلام الذي دعا إليه نوح وبشروا من آمن بالخير وحسن المآب وجزيل الثواب وأنذروا من كفر بالخزي والهزيمة وأليم العذاب .

{ وأنزل معهم الكتاب } مع ما حملت الرسل عن الله من تبشير وإنذار أوحي إليهم من كتب ربنا ما شاء أن ينزله سبحانه عليهم أو ما وصاهم به من الدعوة إلى كتب إخوانهم النبيين { بالحق } فإن إنزال الكتب يكون متلبسا بالحق شاهدا به كما قال ربنا في محكم القرآن { وبالحق أنزلناه وبالحق نزل . . . }{[663]} .

{ ليحكم بين الناس } [ علة للإنزال المذكور أوله وللبعث وهذا البعث المعلل هو المتأخر عن الاختلاف فلا يضر تقدم بعثة آدم أي { فيما اختلفوا فيه } في الحق الذي اختلفوا فيه . . . { وما اختلف فيه } أي في الحق بأن أنكروه وعاندوه أو في الكتاب المنزل متلبسا به بأن حرفوه وأولوه بتأويلات زائغة والواو حالية ، { إلا الذين أوتوه } أي الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف وإزاحة الشقاق ، أي : عكسوا الأمر حيث جعلوا ما أنزل مزيحا للاختلاف سببا لرسوخه واستحكامه . . . وقيل عبر به ليختص الموصول بأرباب العلم والدراسة من أولئك المختلفين وخصهم بالذكر لمزيد شناعة فعلهم ، ولأن غيرهم تبع لهم ؛ { من بعد ما جاءتهم البينات } أي رسخت في عقولهم الحجج الظاهرة الدالة على الحق وفيه إيذان بتمكنهم من ذلك وبلوغهم الغاية القصوى فيه . . . ومنشأ ذلك مزيد حرصهم في الدنيا وتكالبهم عليها { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } أي بأمره أو بتوفيقه وتيسيره و{ من } بيان { لما } والمراد : للحق الذي اختلف الناس فيه -فالضمير عام شامل للمختلفين السابقين واللاحقين وليس راجعا إلى { الذين أوتوه } كالضمائر السابقة والقرينة على ذلك عموم الهداية للمؤمنين السابقين على اختلاف أهل الكتاب واللاحقين بعد اختلافهم ]{[664]} .

{ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } يسدد مولانا سبحانه ويرشد من شاء من عباده إلى سبيل الحق الذي لا يضل سالكه ويعرفه ما يتوصل به إلى سعادة الدارين ويثبته على الحق والصواب والطريق التي لا اعوجاج فيها في الصحيحين صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي ويقول ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل مالك السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) .


[663]:من سورة الإسراء من الآية 105.
[664]:ما بين العلامتين [] من روح المعاني.