فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأحزاب مدنية

وآياتها ثلاث وسبعون

كلماتها 1280- حروفها 5796

بسم الله الرحمان الرحيم

{ يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما 1 واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا 2 وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا 3 }

ينادي الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم – ليستديم التقوى ويثبت عليها ، وينهاه عن مطاوعة الكافرين – المستعلنين بتكذيبهم وكفرهم – والمنافقين الذي يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ، إن ربك المعبود بحق كان ولا يزال محيط العلم بكل معلوم ، حكيم التدبير في كل شأن ، ويأمره ربه بالتزام منهاج الوحي الذي أنزل إليه من لدن البر الرحيم ، فإن المعبود بحق يعلم أعمالكم ، وأعمال الكافرين والمنافقين مهما كبر مكرهم ، وطم كيدهم ) . . وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال( {[3592]} ، واتخذ الله الكبير المتعال وكيلا في كافة شئونك ، فبحسبك هو ، يكفيك ويحفظك ، ويتولى كل أمر لمن توكل عليه[ والإظهار في مقام الإضمار- ذكر الاسم الجليل ولم يذكر الضمير- للتعظيم ، ولتستقل الجملة استقلال المثل ]{[3593]} .

أخرج ابن جرير عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة ، وشيبة بن ربيعة دعوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم- وفي رواية : ويزوجه شيبة بنته- وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه ، فنزلت .

وذكر الثعلبي والواحدي –بغير إسناد- أن أبا سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه- عليه الصلاة والسلام- في زمان الموادعة التي كانت بينه صلى الله تعالى عليه وسلم وبينهم وقام معهم عبد الله بن أبي ، ومعتب ابن قشير ، والجد بن قيس ، فقالوا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ارفض ذكر آلهتنا وقل : إنها تشفع وتنفع وندعك وربك ، فشق ذلك على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين وهموا بقتلهم فنزلت .

[ وقيل : متعلق كل من التقوى والإطاعة مغاير للآخر على ما روى الواحدي والثعلبي ، والمعنى : اتق الله تعالى في نقض العهد ، لما أن المؤمنين قد هموا بما يقتضيه ، بخلاف الإطاعة المنهي عنها- إطاعة الكافرين والمنافقين- فإنها مما لم يهم بما يقتضيها أحد أصلا ، فكان الاهتمام بالأمر أتم من الاهتمام بذلك النهي . ]{[3594]} .

يقول ابن كثير- في معنى قوله المولى تبارك اسمه- { يا أيها النبي اتق الله . . } : هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى ، فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا ، فلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى . اه

مما أورد القرطبي : قوله تعالى : { يا أيها النبي اتق الله } ضمت[ أي ] لأنه نداء مفرد ، والتنبيه لازم لها ، و{ النبي } نعت لأي عند النحويين . . . { ولا تطع الكافرين } من أهل مكة ، يعني أبا سفيان وأبا الأعور ، وعكرمة ، { والمنافقين } من أهل المدينة ، يعني عبد الله بن أبي وطعمة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فيما نهيت عنه . . . { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا } أي كافيا لك ما تخافه منهم ، و{ بالله } في موضع رفع لأنه الفاعل ، { وكيلا } نصب على البيان أو الحال .

يقول النحاس : ودل بقوله : { إن الله كان عليما حكيما } على أنه كان يميل إليهم استدعاء لهم إلى الاسلام ، أي لو علم الله عز وجل أن ميلك إليهم فيه منفعة لما نهاك عنه ، لأنه حكيم ، ثم قيل : الخطاب له ولأمته . اه


[3592]:سورة إبراهيم. من الآية 46.
[3593]:ما بين العارضتين مقتبس من الألوسي، يتصرف.
[3594]:مما أورد الألوسي، بتصرف.