فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدٗا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافٗا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْۚ وَمَن كَانَ غَنِيّٗا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡۖ وَمَن كَانَ فَقِيرٗا فَلۡيَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ فَأَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا} (6)

{ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا( 6 ) }

{ وابتلوا اليتامى } اختبروا من كان يتيما قبل أن تسلموا إليه ماله ، فليتأمل الوصي أخلاق مكفوله ، فإن تبين نجابته ، وقدرته على رعاية المال ، وحسن التصرف فيه فلا بأس أن يدفع إليه شيئا ليرى كيف يدبره ، وهو مع ذلك يراعيه لئلا يتلفه ؛ { حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } وحين تظهر علامات البلوغ على اليتيم المحجور عليه ، ومنها : الإنبات_إنبات شعر إعانة_ والاحتلام ، أي الرؤيا المنامية التي تجعله ينز الماء الدافق ، ومنها : بلوغ خمس عشرة سنة أو سبع عشرة على خلاف بين الفقهاء في ذلك ، وهذه العلامات تعم الذكر والأنثى ، وتختص الأنثى بالحبل والحيض .

{ فإن آنستم منهم رشدا } فإن رأيتم من هؤلاء الذين كانوا صغارا يتامى فبلغوا ورأيتم منهم حسن تصرف في أموالهم فادفعوها إليهم وأعطوهم إياها ؛ { ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا } عن السدي والحسن : لا تسرف فيها_ وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح ، وربما كان ذلك في الإفراط ، وربما كان ذلك في التقصير_ لا تسرف فيها ، ولا تبادر ، تبادرًا أن يكبروا فيأخذوا أموالهم ؛ { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها : إنما نزلت في والي اليتيم( {[1319]} ) إذا كان فقيرا ؛ أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف ؛ والعفة : النزاهة عن الشيء ؛ وعن سعيد وغيره : يأخذ بقدر ما يحتاج إله قرضا( {[1320]} ) ، ثم إذا أيسر قضاه ؛ { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } نادى الله تعالى الأوصياء أن يشهدوا على دفع ما كان تحت وصايتهم مِن مال مَن كانوا يتامى إلى أصحابه_ وهذا الإشهاد مستحب عند طائفة من العلماء ؛ . . ، وقالت طائفة : هو فرض ، وهو ظاهر الآية_( {[1321]} ) ؛ { وكفى بالله حسيبا } كفى الله تعالى حاسبا لأعمالكم وشهيدا عليها ومجازا بها .


[1319]:روى أبوداود_ بسنده_ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال له: إن في حجري يتيما أفآكل من ماله؟ قال: "بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله" قال: أفأضربه؟ قال: "مما كنت ضاربا منه ولدك" وروي أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمار وابن مسعود وعثمان بن حنيف: سلام عليكم، أما بعد: فإني قد رزقتكم كل يوم شاة، شطرها لعمار لعبد لله بن مسعود، وربعها لعثمان؛ ألا وإني قد أنزلت نفسي وإياكم من مال الله منزلة والي اليتيم. من كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف.
[1320]:أكثر العلماء على أن الاقتراض جاء في أصول الأموال، أما التناول من ألبان المواشي/ أو ركوب الدواب فمباح له إذا كان غير مضر بالمال.
[1321]:من الجامع لأحكام القرآن.