{ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . . } الآية ؛ وروى البخاري-رحمه الله- في صحيحه عن أنس حديثا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفيه : " فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا' فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال : " النار " ؛ فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال : " أبوك حذافة " وذكر الحديث ( {[1889]} ) ؛ وروى مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات وكره لكم ثلاثا قيل قال وكثرة السؤال وإضاعة المال " - قال جماعة من العلماء : المراد بقوله : " وكثرة السؤال " التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطعا ، وتكلفا فيما لم ينزل ، والأغلوطات وتشقيق المولدات ، . . . قال مالك : أدركت أهل هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة ، فإذا نزلت نازلة جمع الأمير من حضر من العلماء ، فما اتفقوا عليه أنفذه ، وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وذهب قوم إلى تحريم أسئلة النوازل ، لكن الآية مصرحة بأن السؤال المنهي عنه إنما كان فيما تقع المساءة في جوابه ، ولا مساءة في جواب نوازل الوقت فافترقا ؛ لكن بعض السلف قد كان يكرهها إذا لم تكن قد وقعت ، فكان عمر رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن ، ونقل عن زيد بن ثابت أنه كان يقول إذا سئل عن الأمر : أكان هذا ؟ فإن قالوا : نعم قد كان حدث فيه بالذي يعلم ، وإن قالوا : لم يكن قال : فذروه حتى يكون ، وعن عمار بن ياسر وقد سئل عن مسألة فقال : هل كان هذا بعد ؟ قالوا : لا ؛ قال : دعونا حتى يكون ، فإذا كان تجشمناها لكم ؛ وعن ابن عباس قال : ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما سألوه عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض ، كلهن في القرآن ؛ منهم : ( ويسألونك عن الشهر الحرام . . ) ( {[1890]} ) ، ( ويسألونك عن المحيض . . ) ( {[1891]} ) ، وشبهه ، ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم ؛ قال ابن عبد البر : السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله ، فمن سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه ، باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه ، فلا بأس به ، فشفاء العي ( {[1892]} ) السؤال ؛ ومن سأل متعنتا غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره ( {[1893]} ) .
{ وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } قال الجرجاني : الكناية في { عنها } ترجع إلى أشياء أخر ؛ كقوله تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) ( {[1894]} يعني آدم ، ثم قال : ( ثم جعلناه نطفة . . ) ( {[1895]} ) أي : ابن آدم ، لم يجعل نطفة في قرار مكين ، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دل على إنسان مثله ، وعرف ذلك بقرينة الحال ؛ فالمعنى : وإن تسألوا عن أشياء حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم ، أو مست حاجتكم إلى التفسير ، فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم ؛ فقد أباح هذا النوع من السؤال ، ومثله : أنه بين عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها والحامل ، ولم يجر ذكر عدة التي ليست بذات قرء ولا حامل ، فسألوا عنها فنزل : ( واللائي يئسن من المحيض . . ) ( {[1896]} ) فالنهي إذا في شيء لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه ؛ فأما ما مست الحاجة إليه فلا . ا ه .
{ عفا الله عنها والله غفور حليم } تجاوز سبحانه عنها فلم يحرمها ولم يبين حلها فهي معفو عنها ، أو تجاوز عز شأنه عما سلف من أمور قد خلت ، كالذي كانوا يسألون عنه من أمور الجاهلية وما جرى مجراه ؛ { والله غفور حليم }- والله ساتر ذنوب من تاب منها فتارك أن يفضحه في الآخرة { حليم } أن يعاقبه بها لتغمده التائب منها برحمته وعفوه عن عقوبته عليها ؛ . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.