اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَٰرُونَ أَخِي} (30)

و " هَارونَ " بدل{[23979]} من " وَزِيراً " وجوَّز أبو البقاء أن يكون " هَارُونَ " عطف بيان ل " وَزيراَ " {[23980]} . ولم يذكر الزمخشري غيره{[23981]} . ولما حكى أبو حيان هذا لم يعقبه بنكير ، وهو عجب منه فإنَّ عطفَ البيان يُشترط فيه التوافق تعريفاً وتنكيراً{[23982]} ، وقد عرفت أن وزيراً نكرة ، وهارون معرفة .

والزمخشري قد تقدَّم له مثل ذلك في قوله تعالى : { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ }{[23983]} ، وتقدم الكلام معه هناك ، وهو عائد هنا{[23984]} .

ويجوز أن يكون " هارون " منصوباً بفعل محذوف كأنه قال : " أخصُّ من بينهم هارون من بين أهلي{[23985]} ويجوز أن يكون " وَزيراً " مفعولاً ثانياً و " هارُونَ " هو الأول{[23986]} ، وقدم الثاني عليه اعتناء بأمر{[23987]} الوزارة{[23988]} . وعلى هذا فقوله : " لِي " يجوز أن يتعلق بنفس الجعل ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " وَزِيراً " {[23989]} إذ هو في الأصل صفة{[23990]} له{[23991]} ، و " من أهلي " على ما تقدم من وجهيه{[23992]} ويجوز أن يكون " وزيرا " مفعولاً{[23993]} أول ، و " مِنْ{[23994]} أهْلِي " هو الثاني . وقوله : " لِي " مثل قوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }{[23995]} يعنون أنه به يتم المعنى . ذكر ذلك أبو البقاء{[23996]} .

ولما حكاه{[23997]} أبو حيان لم يعقبه بنكير ، وهو عجب ، لأن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية ، وأنت لو ابتدأت بوزيرٍ{[23998]} وأخبرت عنه ب ( مِنْ أَهْلِي ){[23999]} لم يجز ، إذ{[24000]} لا مسوِّغ للابتداء به{[24001]} . و " أَخي " بدل أو عطف بيان ل " هَارُونَ " {[24002]} .

وقال{[24003]} الزمخشري : وإن جعل{[24004]} عطف بيان آخر جازِ وحَسُن{[24005]} .

قال أبو حيَّان : ويبعُدُ فيه عطفُ البيان ، لأن عطف البيانِ الأكثر فيه أن{[24006]} يكون الأول دونه في الشهرة ، وهذا بالعكس{[24007]} .

قال شهاب الدين : لم يُرِد الزمخشري أنَّ " أَخِيط عطفُ بيان ل " هَارُونَ " حتى يقول الشيخ{[24008]} : إن الأول وهو " هَاروُنَ " أشهر من الثاني وهو " أخِي " ، إنما{[24009]} عنى الزمخشري أنه عطفٌ بيان أيضاً ل " وزيراً " {[24010]} ، ولذلك{[24011]} قال{[24012]} : آخر ، ولا{[24013]} بد من الإتيان بلفظه ليعرف أنه لم يرد إلا ما ذكرته{[24014]} .

قال{[24015]} : " وَزيراً " و هَارُونَ " مفعولاً{[24016]} قوله : : اجْعَلْ " ، أوْ " لي وَزِيراً : معفولاه{[24017]} ، و " هَارونَ " عطفُ بيان للوزير ، و " أخِي " في الوجهين بدل من " هَاروُنَ " ، وإن جعل عطف بيان آخر جازَ وحَسُنَ{[24018]} فقوله : ( آخر ) يُعَينُ أن يكون عطفَ بيان لما جُعِل عنه عطف بيان قبل ذلك .

وجوَّز الزمخشري ( في " أَخِي " ){[24019]} أن يرتفع بالابتداء ، ويكون خبره الجملة من قوله


[23979]:في ب: بدلا.
[23980]:التبيان 2/890.
[23981]:الكشاف 2/432.
[23982]:وذلك لأن عطف البيان كالنعت يوافق متبوعه في الإعراب، والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير. انظر شرح التصريح 2/131.
[23983]:[آل عمران: 97]. وقول الزمخشري إن "مقام إبراهيم" عطف بيان لقوله: "آيات بينات" مخالف للبصريين والكوفيين، لأنهم أجمعوا على أن النكرة لا تبين بالمعرفة، وجمع المؤنث لا يبين بالمفرد المذكر، ولا يجوز أن يكون بدلا، لأنهم نصوا على أن البدل منه إذا كان متعددا وكان البدل غير واف بالعدة تعين القطع وإنما التقدير منها مقام إبراهيم أو بعضها مقام إبراهيم فهو مبتدأ، أو خبر مبتدأ. وقد ذكر الزمخشري توجيها لصحة كون (مقام إبراهيم) عطف بيان لآيات بينات فقال: (فإن قلت: كيف صح بيان الجماعة بالواحد قلت: فيه وجهان أحدهما: أن يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه، وقوة دلالته على قدرة الله، ونبوة إبراهيم.... والثاني اشتماله على آيات، لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية، وغوصه فيها إلى الكعبين آية، وإلانة بعض الصخر دون بعض آية...) الكشاف 1/203 – 204، شرح التصريح 2/131 – 132.
[23984]:انظر اللباب 2/305 – 306.
[23985]:انظر التبيان 2/890، وبعد أن حكى أبو حيان هذا الوجه قال: (وهذا لا حاجة إليه، لأن الكلام تام بدون هذا المحذوف) البحر المحيط 6/240.
[23986]:في ب: هو الأول مقدما. وهو تحريف.
[23987]:في ب: اعتبار أمر. و هو تحريف.
[23988]:انظر الكشاف 2/432، التبيان 2/89، البحر المحيط 6/340.
[23989]:في ب: وزير.
[23990]:صفة: سقط من ب.
[23991]:انظر البيان 2/141، التبيان 2/890.
[23992]:من كونه صفة لـ "وزيرا" أو متعلقا بالجمعل.
[23993]:في النسختين: مفعول.
[23994]:من: سقط من ب.
[23995]:[الإخلاص: 4].
[23996]:التبيان 2/890.
[23997]:في ب: حكى. وهو تحريف.
[23998]:في ب: وزيرا.
[23999]:في ب: وأخبرت أهلي. وهو تحريف.
[24000]:في ب: لأنه.
[24001]:وذلك لأن وزيرا نكرة ولا يجوز الابتداء بالنكرة، لأن النكرة مجهولة والحكم على المجهول لا يفيد. ولكن يبتدأ بها إذا وجد مسوغ من مسوغات الابتداء بالنكرة، وهنا لا يوجد مسوغ للابتداء بـ "وزيرا".
[24002]:انظر البيان 2/141، والتبيان 2/890.
[24003]:في ب: قال.
[24004]:في ب: جعلا. وهو تحريف.
[24005]:الكشاف 2/432.
[24006]:أي: سقط من ب.
[24007]:البحر المحيط 6/240.
[24008]:الشيخ: سقط من ب.
[24009]:في ب: وإنما.
[24010]:في ب: الوزير.
[24011]:في النسختين: وكذلك. والصواب ما أثبته.
[24012]:قال: سقط من ب. أي قال الزمخشري.
[24013]:في ب: فلا.
[24014]:الدر المصون 5/23 – 24.
[24015]:أي الزمخشري.
[24016]:في ب: مفعول. وهو تحريف.
[24017]:في ب: مفعول. وهو تحريف.
[24018]:في ب: جعلا. وهو تحريف.
[24019]:الكشاف 2/432.