اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَشۡرِكۡهُ فِيٓ أَمۡرِي} (32)

" وَأُشْرِكْهُ " بضم الهمزة للمضارعة ، وجزم الفعل نسقاً على ما قبله حكاية عن موسى : أنا أفعل{[24022]} ذلك{[24023]} . وقرأ الباقون بحذف همزة الوصل من الأول ، وفتح{[24024]} همزة القطع في الثاني على أنهما دعاء من موسى لربه بذلك{[24025]} ، وعلى هذه الجملة قد ترك فيها العطف خاصة دون ما تقدمها من جمل الدعاء وقرأ الحسن " أُشَْدّدْ " مضارع شدد بالتشديد{[24026]} .

والوزير{[24027]} : قيل : مشتق من الوِزْر ، وهو الثقل{[24028]} . وهو الثقل{[24029]} . وسمي به{[24030]} لأنه تحمل أعباء الملك ومؤنه ، فهو معين على أمر الملك وقائم بأمره .

وقيل : هو{[24031]} من الوَزر ، وهو الحبل الذي يحتصن به وهو الملجأ{[24032]} لقوله تعالى : { كَلاَّ{[24033]} لاَ وِزْرَاً } {[24034]} {[24035]} قال :

مِنَ السِّبَاعِ الضَّوَارِي دُونَهَا وَزَرٌ *** وَالنَّاسُ شَرُّهُمُ مَا دُونَهُ وَزَرُ

كَمْ مَعْشَرٍ سَلِمُوا لَمْ يُؤذِهِمْ سَبْعٌ *** وَلاَ تَرَى بَشَراً لَمْ يُؤْذِهِم بَشَرُ{[24036]}

وقيل{[24037]} : من المُؤَازَرَةِ ، وهي المعاونة ، نقله الزمخشري عن الأصمعي قال : وكان القياس أَزيراً{[24038]} يعني بالهمزة ، لأن المادة كذلك ، قال الزمخشري : ( فقلبت ){[24039]} : الهمزة إلى الواو ، ووجه قلبها إليها أنَّ فَعِيلاً جاء بمعنى مُفَاعِل مجيئا صالحاً كقولهم : عَشِيرِ ، وجَلِيسِ ، وخَلِيط وصَدِيق ، وخَلِيل ، ونَدِيم فلما قلبت في أخيه قلبت فيه ، وحمل الشيء على نظيره ليس بعزيز ، ونظر إلى يؤازر{[24040]} وإخوته وإلى المؤازرة{[24041]} . يعني أن وزيراً بمعنى مُؤَازر ، ومُؤازر تقلب فيه الهمزة واواً{[24042]} قليلة قياساً ، لأنها همزة مفتوحة بعد ضمة{[24043]} {[24044]} فهو نظير مُؤَجَّل ويُؤاخذكم وشبهه ، فَحُمِلَ أَزير عليه في القلب ، وإنْ لم يكن فيه سبب القلب . والمُؤازرة مأخوذةٌ من إزار الرجل ، وهو الموضع الذي يشده الرجل إذا استعد لعمل متعب{[24045]} .

فصل

اعلم{[24046]} أن طلبَ الوزير إما أنه خاف على نفسه العجزَ عن القيام بذلك الأمر فطلب المُعين ، أو لأنه رأى أنَّ التعاونَ على الدين والتظاهرَ عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة قربةٌ عظيمة في الدعاء إلى الله تعالى ، ولذلك قال عيسى ابن مريم{[24047]} : { مَنْ أنصاري إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله }{[24048]} ، وقال لمحمد عليه السلام{[24049]} { يا أيها النبي{[24050]} حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين }{[24051]} وقال عليه السلام{[24052]} : " إنَّ لِي في السَّمَاءِ وَزِيرَيْنِ ، وَفِي الأَرْضِ وَزِيرَيْن فاللَّذانَ فِي السَّماءِ جِبْريلُ وميكائيلُ ( عليهما السلام ){[24053]} وّاللَّذانِ في الأرض أبو{[24054]} بكرٍ وَعمَرُ ( رضي الله عنهما {[24055]} " ){[24056]} " .

وقال عليه السلام{[24057]} : " إذَا أَرَادَ اللهُ بِمَلِكٍ خيراً قَيَّضَ اللهُ لَُ وَزِيراً صَالِحاً إنْ نَسِيَ ذكَّره ، وإنْ نَوَى خَيْراً أعانَه ، وإنْ أَرَادَ شَرَّاً كَفَّهُ " {[24058]} وقال أنوشروان : لاَ يَسْتَغْنِي أجودُ السيوف عن الصقل ، ولا أكرمُ الدوابَّ عن السَّوْط ( ولا أعلمُ الملوك عن الوزير ){[24059]} {[24060]} . وأراد موسى - عليه السلام-{[24061]} أن يكون ذلك الوزير من أهله أي من أقاربه ، وأن يكون أخاه هارون ، والسببُ فيه إما لأن التعاونَ على الدين{[24062]} منفعة عظيمة فأراد{[24063]} أن لا تحصل هذه{[24064]} الدرجة إلا بأهله ، أو لأن كل واحد منهما كان في غاية المحبة لصاحبه{[24065]} .

وكان هارونُ أكبرَ سناً من موسى بأربع سنين ، وكان أفصحَ منه لساناً ، وأجملَ وأوسمَ أبيض اللون ، وكان موسى آدم اللون أقْنَى جَعْداً{[24066]} .

و " اشْدُدْ بِهِ ( أزري ) قَوِّ ){[24067]} ظَهْري ، " وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي " في النبوة . والأَزْرُ القوة ، وَآزَرَهُ : قَوَّاه . وقال أبو عبيدة{[24068]} : أَزْرِي : ظَهْرِي{[24069]} . وفي كتاب الخليل : الأَزْرُ الظَّهرُ{[24070]} .

ثم إنه تعالى حكى عنه ما لأجله دعا بهذا الدعاء فقال :


[24022]:في ب: للمضارعة وجزم الفعل نسقا على ما قبله حكاية عن موسى أني أفعل ذلك وقرأ أيضا أشدد للمضارعة.
[24023]:يريد أن الكلام لموسى حكاه الله عز وجل.
[24024]:في ب: وحذف. وهو تحريف.
[24025]:انظر السبعة 418، الحجة لابن خالويه (341)، الكشف 2/97، النشر 2/320، الإتحاف (303).
[24026]:انظر البحر المحيط 6/240، وقد نقل أبو حيان هذه القراءة عن صاحب اللوامح فإنه قال: (وقال صاحب عن الحسن إنه "أشدد به" مضارع شدّد للتكثير والتكرير، أي: كلما حزبني أمر شدد به أزري).
[24027]:في ب: فصل قوله: وزيرا.
[24028]:الوزر: الحمل الثقيل.
[24029]:في ب: وسمي بذلك.
[24030]:في ب: بل هو.
[24031]:في ب: وهو من الجبل.
[24032]:وهو الملجأ: سقط من ب.
[24033]:كلا: سقط من الأصل.
[24034]:[القيامة: 11].
[24035]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/357.
[24036]:البيتان من بحر البسيط للخطابي. وهو في البحر المحيط 6/239 والخزانة 2/124.
[24037]:في ب: وهي. وهو تحريف.
[24038]:الكشاف 2/432.
[24039]:ما بين القوسين سقط من ب، وفيه: وقلبت.
[24040]:في النسختين الوازر. والصواب ما أثبته.
[24041]:الكشاف 2/432.
[24042]:في ب: واو. وهو تحريف.
[24043]:ضمة: سقط من ب.
[24044]:قال سيبويه: (وإذا كانت الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة، وأردت أن تخفف أبدلت مكانها واوا كما أبدلت مكانها ياء حيث كان ما قبلها مكسورا، وذلك قولك في التؤدة تودة، وفي الجؤن جون، وتقول: غلام وبيك إذا أردت غلام أبيك) الكتاب 3/543.
[24045]:في ب: إذا أراد العمل المتعب.
[24046]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/48 – 49.
[24047]:في ب: عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام.
[24048]:[آل عمران: 52].
[24049]:في ب: وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم.
[24050]:"يا أيها النبي": سقط من ب.
[24051]:[الأنفال: 64].
[24052]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[24053]:ما بين القوسين سقط من ب.
[24054]:في الأصل: أبي. وهو تحريف .
[24055]:أخرجه الترمذي (مناقب) 5/278 – 279.
[24056]:ما بين القوسين سقط من ب.
[24057]:في ب: وقال صلى الله عليه وسلم.
[24058]:أخرجه أبو داود (إمارة) 3/345.
[24059]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/48 – 49.
[24060]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
[24061]:في ب عليه الصلاة والسلام.
[24062]:على الدين: سقط من ب.
[24063]:في ب: أراد.
[24064]:في ب: هذه المنفعة.
[24065]:انظر الفخر الرازي 22/49.
[24066]:انظر البغوي 5/421.
[24067]:ما بين القوسين سقط من ب.
[24068]:في ب: أبو عبيد. وهو تحريف.
[24069]:مجاز القرآن 2/18.
[24070]:العين (أزر).