تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { ثم سواه } أي جمعه ، وقوّمه ، وركّب بعضه على بعض { ونفخ فيه من روحه } هو الريح ، وبالنفخ يتفرق في الجسد ، ولذلك ذكر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ثم سواه } يحتمل ما ذكرنا من تركيب الجوارح والأعضاء ، أو جعله بحيث يحتمل المحنة والأمر والنهي { ونفخ فيه من روحه } أي جعل فيه الروح ، وذكر النفخ لما ذكرنا على تحقيق النفخ فيه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } ذكر ، جل ، وعلا ، جميع ما يوصل إلى العلوم الغائبة والحاضرة جميعا ، ويدرك ، ويوجد السبيل إليها ، وهي السمع والبصر والقلب في الإنسان ، لأنه بالسمع يوصل إلى ما غاب عنهم من العلم ، يسمعون ما عند غيرهم ، وكذلك بالبصر يرى ، ويبصر ما عند غيره ، وبالقلب يفهم ، ويحفظ ، ويميز بين ما يؤتى ، وما يتقى . يبين أنه قد أعطاهم ما به يدركون ، ويصلون إلى ما غاب عنهم ، ويفهمون ، ويميزون ، وهو ما ذكر من الحواس .

ثم قال : { قليلا ما تشكرون } [ قال أهل التأويل : قوله : { قليلا ما تشكرون } أي لا تشكرون ]( {[16386]} ) قط ، لأنهم يقولون : إنما خاطب به أهل مكة ، أو يقال : إنهم يشكرون قليلا ، لكنهم يفسدون ، وينقضون ما يشكرون بكفرانهم من بعد .

وأما أهل الإسلام ، وإن كان شكرهم لما ذكر من هذه الحواس قليلا فإنهم قد اعتقدوا في أصل العقد الشكر له في جميع نعمه . والكافر اعتقد الكفران له . وإلا يجيء أن يكون قوله : { قليلا ما تشكرون } للمؤمنين ، ولهم يقال ذلك لا للكفرة ، والله أعلم .


[16386]:من م، ساقطة من الأصل.