فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ} (9)

{ ثُمَّ سَوَّاهُ } أي الإنسان الذي بدأ خلقه من طين وهو آدم ، أو جميع النوع ، والمراد أنه عدل خلقه وسوى شكله ، وقومه وناسب بين أعضائه على ما ينبغي كقوله في أحسن تقويم .

{ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ } أي جعله حيا حساسا بعد أن كان جمادا ، وبالإضافة للتشريف والتكريم ، وهذه الإضافة تقوي أن الكلام في آدم لا في ذريته ، وإن أمكن توجيهه بالنسبة إلى الجميع ، وقيل للتخصيص ، أي نفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبعلمه ، والأول أولى ثم خاطب جميع النوع فقال :

{ وَجَعَلَ لَكُمُ } وفيه التفات عن الغيبة إلى الخطاب ، ولم يخاطبهم قبل ذلك لأن الخطاب إنما يكون مع الحي فلما قال ونفخ فيه من روحه خاطبه بعد ذلك وقال : وجعل لكم :

{ السَّمْعَ } أي الأسماع { وَالأَبْصارَ ، وَالأَفْئِدَةَ } أي القلوب تكميلا لنعمته عليكم ، وتتميما لتسويته لخلقكم ، حتى تجتمع لكم هذه النعم ، فتسمعون كل مسموع ، وتبصرون كل مبصر ، وتعقلون كل متعقل ، وتفهمون كل ما يفهم ، وأفرد السمع لكونه مصدر يشمل القليل والكثير ، وخص السمع بذكر المصدر دون البصر والفؤاد ، فذكرهما بالاسم ، ولهذا جمعا لأن السمع قوة واحدة . ولها محل واحد ، وهو الأذن ، ولا اختيار لها فيه ، فإن الصوت يصل إليها ولا يقدر على رده ، ولا على تخصيص السمع ببعض المسموعات دون بعض ؛ بخلاف الأبصار فمحلها العين ، وله فيه اختيار ، فإنها تتحرك إلى جانب المرئي دون غيره ، وتطبق أجفانها إذا لم ترد الرؤية لشيء ، وكذلك الفؤاد له نوع اختيار في إدراكه فيتعقل هذا دون هذا ، ويفهم هذا دون هذا .

{ قَلِيلا مَّا } أي شكرا قليلا ، أو زمانا قليلا { تَشْكُرُونَ } وفي هذا بيان لكفرهم لنعم الله ، وتركهم لشكرها إلا فيما ندر من الأحوال .