قوله : { والحب ذُو العصف والريحان } .
قرأ{[54340]} ابن عامر : بنصب الثلاثة . وفيه ثلاثة أوجه :
النصب على الاختصاص ، أي «وأخص الحبَّ » قاله الزمخشري{[54341]} .
وفيه نظر{[54342]} ، لأنه لم يدخل في مسمى الفاكهة والنخل حتى يخصّه من بينها ، وإنما أراد إضمار فعل ، وهو «أخص » فليس هو الاختصاص الصّناعي .
الثاني : أنه معطوف على «الأرض » .
قال مكي{[54343]} : «لأن قوله «والأرض وضعها » أي : خلقها ، فعطف «الحب » على ذلك » .
الثالث : أنه منصوب ب «خلق » مضمراً ، أي «وخلق الحب » .
وقال مكي : «أو وخلق الحب » ، وقراءته موافقة لرسم مصاحف بلدهِ ، فإن مصاحف «الشام » «ذا » بالألف{[54344]} .
وجوزوا في «الرَّيْحَان » أن يكون على حذف مضاف ، أي «وذا الريحان » فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه{[54345]} ، ك { وَاسألِ القرية } [ يوسف : 82 ] .
وقرأ{[54346]} الأخوان برفع الأولين وجرّ «الرَّيْحَان » عطفاً على «العَصْف » وهي تؤيد قول من حذف المضاف في قراءة ابن عامر .
والباقون : برفع الثلاثة عطفاً على «فاكهة » أي : وفيها أيضاً هذه الأشياء .
ذكر أولاً ما يتلذّذون به من الفواكهة .
وثانياً : الشيء الجامع بين التلذّذ والتغذِّي ، وهو ثمر النخل .
وثالثاً : ما يتغذى به فقط ، وهو أعظمها ؛ لأنه قوت غالب الناس .
ويجوز في «الرَّيْحَان » على هذه القراءة أن يكون معطوفاً على ما قبله ، أي : «وفيها الريحان » أيضاً ، وأن يكون مجروراً بالإضافة في الأصل ، أي : «وذو الريحان » ففعل به ما تقدم{[54347]} .
و«العَصْفُ » قال مجاهد رضي الله عنه : ورق الشَّجر والزرع{[54348]} .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : تِبْن الزرع وورقه الذي تَعْصِفُه الرياح{[54349]} .
قال الراغب{[54350]} : «أصله : من «العَصْفِ والعَصِيفَة » ، وهو ما يُعصف ، أي : يقطع من الزرع » .
وقال سعيد بن جبير : بقل الزرع أي ما ينبت منه{[54351]} ، وهو قول الفراء .
والعرب تقول : خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك ، وكذا في «الصِّحاح »{[54352]} وكذا نقله القرطبي{[54353]} .
وعصفت الزرع ، أي : جَزَرته قبل أن يدرك .
وعن ابن عباس أيضاً : العصف : ورق الزرع الأخضر إذا وقع رءوسه ويبس نظيره{[54354]} : { كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ } [ الفيل : 8 ] .
قال الجوهري{[54355]} : «وقَدْ أعْصَفَ الزَّرْعُ ، ومكانٌ مُعْصفٌ ، أي : كثير الزرع » .
قال أبو قيس بنُ الأسلت الأنصاريُّ : [ السريع ]
إذا جُمَادَى مَنَعَتْ قَطْرَهَا *** زَانَ جَنَابِي عَطَنٌ مُعْصِفُ{[54356]}
وقيل : «العَصْفُ » : حُطام النبات ، والعَصْفُ أيضاً : الكسب .
بِغَيْرِ مَا عَصْفٍ ولا اكْتسَابِ{[54357]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وكذلك «الاعتصاف والعصيفة » : الورق المجتمع الذي يكون فيه السّنبل .
وحكى الثعلبي : وقال ابن السكيت{[54358]} : «تقول العرب لورق الزرع : العَصْف والعَصِيفة ، والجِلُّ بكسر الجيم » .
قال علقمة بن عبدة : [ البسيط ]
تَسْقِي مَذانِبَ قَدْ مَالتْ عَصيفتُهَا *** حُدُورُهَا مِنْ أتِيِّ المَاءِ مَطْمُوم{[54359]}
في «الصحاح »{[54360]} : «والجِلّ - بالكسر - قصب الزرع إذا حصد » .
والرَّيحان في الأصل مصدر ، ثم أطلق على الرزق .
قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : هو الرزق بلغة «حِمْير »{[54361]} ، كقولهم : «سبحان الله وريحانه » أي : استرزاقه .
وعن ابن عباس أيضاً والضحاك وقتادة : أنه الريحان الذي يشمّ{[54362]} وهو قول ابن زيد أيضاً .
وعن ابن عباس أيضاً : أنه خُضْرة الزرع{[54363]} .
وقال سعيد بن جبير : هو ما قام على ساق{[54364]} .
وقال الفراء : «العصفُ » المأكول من الزرع .
وقال الكلبي{[54365]} العَصْف : الورق الذي لا يؤكل .
و«الريحان » : هو الحب المأكول .
وقيل : كل فلّة طيبة الريح سميت ريحاناً ؛ لأن الإنسان يراح لها رائحة طيبة أي : يشم . وفي «الريحان » قولان :
أحدهما : أنه على «فَعْلان » وهو من ذوات «الواو » ، والأصل «رَوْحَان » من الرائحة .
قال أبو علي{[54366]} : فأبدلت «الواو » ياء كما أبدلت الياء واواً في «أشاوى » وإنما قلبت الواو ياء للفرق بينه وبين «الرَّوْحَان » وهو كل شيء له روح .
قال القرطبي{[54367]} : والثاني : أن يكون أصله «رَيْوَحَان » على وزن «فَيْعَلان » فأبدلت الواو ياء ، وأدغمت فيها الياء ، ثم خفف بحذف عين الكلمة ، كما قالوا : كَيْنُونة وبَيْنُونَة والأصل تشديد الياء ، فخفف كما خفف «هَيْن ولَيْن » .
قال مكي{[54368]} : ولزم تخفيفه لطوله بلُحُوق الزيادتين ، وهما الألف والنون .
ثم ردّ قول الفارسي بأنه : لا موجب لقلبها ياء .
ثم قال : «وقال بعض الناس » وذكر ما تقدم عن أبي علي .
قال القرطبي : «والأصل فيما يتركب من الراء والواو والحاء : الاهتزاز والحركة » .
وفي الصحاح{[54369]} : «والريحان نبات معروف ، والرَّيْحَان : الرزق ، تقول : خرجت أبتغي ريحان الله » .
وفي الحديث : «الولدُ مِنْ رَيْحانِ اللَّهِ »{[54370]} .
وقولهم : «سُبْحَانَ اللَّهِ ورَيْحَانه » نصبوهما على المصدر ، يريدون : تنزيهاً له واسترزاقاً .
قوله : { والحبّ ذُو العصف والريحان } فالعَصْفُ : ساق الزرع ، والرَّيْحَان : ورقه قاله الفراء{[54371]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.