اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا} (5)

قوله : { والسمآء وَمَا بَنَاهَا } . في «ما » هذه وجهان :

أحدهما : أن «ما » موصولة بمعنى «الذي » وبه استشهد من يجوز وقوعها على العقلاء ، ولأن المراد به الباري تعالى ، وإليه ذهب الحسن ومجاهد وأبو عبيدة ، واختاره ابن جرير{[60278]} .

والثاني : مصدر ، أي وبنائها ، وإليه ذهب الزجاج والمبرد ، وهذا منهما بناء على أنها مختصة بغير العقلاء .

واعترض على هذا القول بأنه يلزم أن يكون القسم بنفس المصادر : بناء السماء وطحو الأرض ، وتسوية النفس ، وليس المقصود إلاَّ القسم بفاعل هذه الأشياء ، وهو الرب تعالى ، وأجيب عنه بوجهين :

أحدهما : أن يكون على حذف مضاف ، أي : ورب بناء السماء ونحوه .

والثاني : أنه لا غرو لا يجوز في الإقسام بهذه الأشياء ، كما أقسم سبحانه وتعالى بالصبح ونحوه .

وقال الزمخشري{[60279]} : «جعلت «ما » مصدرية في قوله «وما بناها » ، «وما طحاها » ، و«ما سواها » ، وليس بالوجه ، لقوله «فألهمها » ، وما يؤدي إليه من فساد النظم ، والوجه أن تكون موصولة ، وإنما أوثرت على «من » لإرادة معنى الوصفية ، كأنه قيل : والسماء والقادر العظيم الذي بناها ، ونفسٍ والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها ، وفي كلامهم : سبحان من سخركن لنا » انتهى .

[ يعني أن الفاعل في «فألهمها » عائد على الله تعالى ، فليكن في بنائها كذلك ]{[60280]} .

وحينئذ يلزم عوده على شيء ، وليس هنا ما يمكن عوده عليه غير «ما » فتعين أن تكون موصولة .

قال أبو حيان : «أما قوله «وليس بالوجه » ، لقوله تعالى : { فَأَلْهَمَهَا } يعني من عود الضمير في { فَأَلْهَمَهَا } على الله تعالى ، فيكون قد عاد على مذكور ، وهو «ما » المراد به «الذي » ، قال : ولا يلزم ذلك ، لأنا إذا جعلناها مصدرية عاد الضمير على ما يفهم من سياق الكلام ، في «بَنَاهَا » ضمير عائد على الله تعالى ، أي : وبناها هو ، أي : الله تعالى ، كما إذا رأيت زيداً قد ضرب عمراً ، فتقول : عجبت مما ضرب عمرو ، تقديره : من ضرب عمرو هو ، كان حسناً فصيحاً جائزاً ، وعود الضمير على ما يفهمُ من سياق الكلام كثير .

وقوله «وما يؤدي إليه من فساد النظم » ليس كذلك ، ولا يؤدي جعلها مصدرية إلى ما ذكر .

وقوله «وإنما أوثرت » إلى آخره ، لا يراد ب «ما » ولا «من » الموصولتين ، معنى الوصلية{[60281]} ، لأنهما لا يوصف بهما «ما » دون «من » .

وقوله «في كلامهم » إلى آخره ، تأوله أصحابنا على أن «سبحان » علم ، و «ما » مصدرية ظرفية » .

قال شهاب الدين{[60282]} : أما ما رد به عليه من كونه يعود على ما يفهم من السياق ، فليس يصلح رداً ؛ لأنه إذا دار الأمر بين عوده على ملفوظ وبين غير ملفوظ به ، فعوده على الملفوظ به أولى ؛ لأنه الأصل وأما قوله : فلا ينفرد به «ما » دون «من » ، فليس مراد الزمخشري أنها توصف بها وصفاً صريحاً ، بل مراده أنها تقع على نوع من يعقل وعلى صفته ، ولذلك مثل النحويون بقوله تعالى : { فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ } [ النساء : 3 ] .

وقالوا : تقديره : فانكِحُوا الطَّيِّب من النِّساءِ ، ولا شك أن هذا الحكم تنفرد به «ما » دون «من » .


[60278]:ينظر: جامع البيان 12/600-601.
[60279]:ينظر: الكشاف 4/759.
[60280]:سقط من ب.
[60281]:في أ: الوصفية.
[60282]:ينظر الدر المصون 6/531.