مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وآياتها ثنتان وستون

{ والنجم إذا هوى } وقبل الشروع في التفسير نقدم مسائل ثم نتفرغ للتفسير وإن لم تكن منه :

المسألة الأولى : أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها لفظا ومعنى ، أما اللفظ فلأن ختم الطور بالنجم ، وافتتاح هذه بالنجم مع واو القسم ، وأما المعنى فنقول : الله تعالى لما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم } بين له أنه جزأه في أجزاء مكايدة النبي صلى الله عليه وسلم ، بالنجم وبعده فقال : { ما ضل صاحبكم وما غوى } .

المسألة الثانية : السورة التي تقدمت وافتتاحها بالقسم بالأسماء دون الحروف وهي الصافات والذاريات ، والطور ، وهذه السورة بعدها بالأولى فيها القسم لإثبات الوحدانية كما قال تعالى : { إن إلهكم لواحد } وفي الثانية لوقوع الحشر والجزاء كما قال تعالى : { إنما توعدون لصادق * وإن الدين لواقع } وفي الثالثة لدوام العذاب بعد وقوعه كما قال تعالى : { إن عذاب ربك لواقع * ما له من دافع } .

وفي هذه السورة لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم لتكمل الأصول الثلاثة : الوحدانية ، والحشر ، والنبوة .

المسألة الثالثة : لم يقسم الله على الوحدانية ولا على النبوة كثيرا ، أما على الوحدانية فلأنه أقسم بأمر واحد في سورة الصافات ، وأما على النبوة فلأنه أقسم بأمر واحد في هذه السورة وبأمرين في سورة الضحى وأكثر من القسم على الحشر وما يتعلق به فإن قوله تعالى : { والليل إذا يغشى } وقوله تعالى : { والشمس وضحاها } وقوله تعالى : { والسماء ذات البروج } إلى غير ذلك ، كلها فيها الحشر أو ما يتعلق به ، وذلك لأن دلائل الوحدانية كثيرة كلها عقلية كما قيل :

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد

ودلائل النبوة أيضا كثيرة وهي المعجزات المشهورة والمتواترة ، وأما الحشر فإمكانه يثبت بالعقل ، وأما وقوعه فلا يمكن إثباته إلا بالسمع فأكثر القسم ليقطع به المكلف ويعتقده اعتقادا جازما .

وأما التفسير ففيه مسائل :

الأولى : الواو للقسم بالنجم أو برب النجم ففيه خلاف قدمناه ، والأظهر أنه قسم بالنجم يقال ليس للقسم في الأصل حرف أصلا لكن الباء والواو استعملنا فيه لمعنى عارض ، وذلك لأن الباء في أصل القسم هي الباء التي للإلصاق والاستعانة فكما يقول القائل : استعنت بالله ، يقول : أقسمت بالله ، وكما يقول : أقوم بعون الله على العدو ، يقول : أقسم بحق الله فالباء فيهما بمعنى كما تقول : كتب بالقلم ، فالباء في الحقيقة ليست للقسم غير أن القسم كثر في الكلام فاستغنى عن ذكره وغيره لم يكثر فلم يستغن عنه ، فإذا قال القائل : بحق زيد فهم منه القسم لأن المراد لو كان هو مثل قوله : ادخل زيد ، أو اذهب بحق زيد ، أو لم يقسم بحق زيد لذكر كما ذكر في هذه الأشياء لعدم الاستغناء فلما لم يذكر شيء علم أن الحذف للشهرة والاستغناء ، وذلك ليس في غير القسم فعلم أن المحذوف فعل القسم ، فكأنه قال : أقسم بحق زيد ، فالباء في الأصل ليس للقسم لكن لما عرض ما ذكرنا من الكثرة والاشتهار قيل الباء للقسم ، ثم إن المتكلم نظر فيه فقال هذا لا يخلو عن التباس فإني إذا قلت بالله توقف السامع فإن سمع بعده فعلا غير القسم كقوله : بالله استعنت وبالله قدرت وبالله مشيت وأخذت ، لا يحمله على القسم ، وإن لم يسمع حمله على القسم إن لم يتوهم وجود فعل ما ذكرته ولم يسمعه ، أما إن توهم أني ذكرت مع قولي بالله شيئا آخر وما سمعه هو أيضا يتوقف فيه ففي الفهم توقف ، فإذا أراد المتكلم الحكيم إذهاب ذلك مع الاختصار وترك ما استغنى عنه ، وهو فعل القسم أبدل الباء بالتاء ، وقال : تالله ، فتكلم بها في كلمة الله لاشتهار كلمة الله والأمن من الالتباس فإن التاء في أوائل الكلمات قد تكون أصلية ، وقد تكون للخطاب والتأنيث ، فلو أقسم بحرف التاء بمن اسمه داعي أو راعي أو هادي أو عادي يقول تداعى أو تراعى أو تهادى أو تعادى فيلتبس ، وكذلك فيمن اسمه رومان أو توران إذا قلت ترومان أو تتوران على أنك تقسم بالتاء تلتبس بتاء الخطاب والتأنيث في الاستقبال ، فأبدلوها واوا لا يقال عليه إشكالان : ( الأول ) مع الواو لم يؤمن الالتباس ، نقول ولى فتلتبس الواو الأصلية بالتي للقسم لأنا نقول ذلك لم يلزم فيما ذهبنا إليه ، وإنما كان ذلك في الواو حيث يدل وينبئ عن العطف وإن لم يستعمل الواو للقسم ، كيف وذلك في الباء التي هي كالأصل متحقق تقول برام في جمع برمة ، وبهام في جمع بهمة ، وبغال للبسية الباء الأصلية التي في البغال والبرام بالباء التي تلصقها بقولك مال ورأى فتقول بمال ، وأما التاء لما استعملت للقسم لزم من ذلك الاستعمال الالتباس حيث لم يكن من قبل حرفا من الأدوات كالباء والواو ( الإشكال الثاني ) لم تركت مما لا التباس فيه كقولك : تالرحيم وتالعظيم ؟ نقول : لما كانت كلمة الله تعالى في غاية الشهرة والظهور استعملت التاء فيها على خلاف الأصل ، بمعنى لم يجز أن يقال عليها إلا ما يكون في شهرتها ، وأما غيرها فربما يخفى عند البعض ، فإن من يسمع الرحيم وسمع في الندرة تر بمعنى قطع ربما يقول ترحيم فعل وفاعل أو فعل ومفعول وإن كان ذلك في غاية البعد لكن الاستواء في الشهرة في المنقول منه والمنقول إليه لازم ، ولا مشهور مثل كلمة الله ، على أنا نقول لم قلت إن عند الأمن لا تستعمل ألا ترى أنه نقل عن العرب برب الكعبة والذي يؤيد ما ذكرنا أنت تقول أقسم بالله ولا تقول أقسم تالله لأن التاء فيه مخافة الالتباس عند حذف الفعل من القسم وعند الإتيان به لم يخف ذلك فلم يجز .

المسألة الثانية : اللام في قوله تعالى : { والنجم } لتعريف العهد في قول ولتعريف الجنس في قول ، والأول قول من قال : { والنجم } المراد منه الثريا ، قال قائلهم :

إن بدا النجم عشيا *** ابتغى الراعي كسيا

والثاني فيه وجوه : ( أحدها ) النجم هو نجم السماء التي هي ثابتة فيها للاهتداء وقيل لا بل النجم المنقضة فيها التي هي رجوم للشياطين ( ثانيها ) نجوم الأرض وهي من النبات ما لا ساق له ( ثالثها ) نجوم القرآن ولنذكر مناسبة كل وجه ونبين فيه المختار منها ، أما على قولنا المراد الثريا فهو أظهر النجوم عند الرائي لأن له علامة لا يلتبس بغيره في السماء ويظهر لكل أحد والنبي صلى الله عليه وسلم تميز عن الكل بآيات بينات فأقسم به ، ولأن الثريا إذا ظهرت من المشرق بالبكر حان إدراك الثمار ، وإذا ظهرت بالعشاء أواخر الخريف نقل الأمراض والنبي صلى الله عليه وسلم لما ظهر قل الشك والأمراض القلبية وأدركت الثمار الحكمية والحلمية ، وعلى قولنا المراد هي النجوم التي في السماء للاهتداء نقول النجوم بها الاهتداء في البراري فأقسم الله بها لما بينهما من المشابهة والمناسبة ، وعلى قولنا المراد الرجوم من النجوم ، فالنجوم تبعد الشياطين عن أهل السماء والأنبياء يبعدون الشياطين عن أهل الأرض ، وعلى قولنا المراد القرآن فهو استدل بمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم على صدقه وبراءته فهو كقوله تعالى : { يس * والقرءان الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم } ما ضللت ولا غويت ، وعلى قولنا النجم هو النبات ، فنقول النبات به ثبات القوى الجسمانية وصلاحها والقوة العقلية أولى بالإصلاح ، وذلك بالرسل وإيضاح السبل ، ومن هذا يظهر أن المختار هو النجوم التي هي في السماء لأنها أظهر عند السامع وقوله { إذا هوى } أدل عليه ، ثم بعد ذلك القرآن أيضا فيه ظهور ثم الثريا .

المسألة الثالثة : القول في { والنجم } كالقول في { والطور } حيث لم يقل والنجوم ولا الأطوار ، وقال : { والذاريات } { والمرسلات } وقد تقدم ذكره .

المسألة الرابعة : ما الفائدة في تقييد القسم به بوقت هو به ؟ نقول النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيدا عن الأرض لا يهتدي به الساري لأنه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال ، فإذا زال تبين بزواله جانب المغرب من المشرق والجنوب من الشمال كذلك النبي صلى الله عليه وسلم خفض جناحه للمؤمنين وكان على خلق عظيم كما قال تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } وكما قال تعالى : { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } إن قيل الاهتداء بالنجم إذا كان على أفق المشرق كالاهتداء به إذا كان على أفق المغرب فلم يبق ما ذكرت جوابا عن السؤال ، نقول الاهتداء بالنجم وهو مائل إلى المغرب أكثر لأنه يهدي في الطريقين الدنيوي والديني ، أما الدنيوي فلما ذكرنا ، وأما الديني فكما قال الخليل { لا أحب الآفلين } وفيه لطيفة ، وهي أن الله لما أقسم بالنجم شرفه وعظمه ، وكان من المشركين من يعبده فقرن بتعظيمه وصفا يدل على أنه لم يبلغ درجة العبادة ، فإنه هاو آفل .

 
المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

القسم في مستهل هذه السورة يجلي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يتحدث به من خبر الوحي ، وما يبلغه عنه ما ضل في شيء منه وما غوى ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما تحدث به عن رحلته إلى السماء في حادث المعراج ، ما زاغ بصره وما طغى .

ثم تنتقل السورة إلى الحديث عن تفاهة عقول الكافرين في عبادتهم لأصنام اصطنعوها بأيديهم ، وسموها بأسماء من عندهم ، كما سموا الملائكة إناثا بعد أن جعلوا لله البنات ، واختصوا أنفسهم بالذكور .

ثم تطلب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الإعراض عنهم ، وترك أمرهم إلى الله الذي له في السماوات والأرض ملكا وخلقا ، والذي سيجازى المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه ، وهو أعلم بجميع أطوار خلقه وأحوالهم ، متبعة ذلك بالتنديد بمن أنكر حساب كل إنسان على عمله ، كما جرت بذلك الشرائع السابقة ، وأخبرت صحف موسى وإبراهيم . وقررت الآيات كل هذه المعاني بما عرضت من صور القدرة وآيات الله في الأمم السابقة .

ثم تختم السورة بتوضيح أن القرآن نذير من النذر التي أنذرت بها الأمم السابقة ، ليخشوا يوم القيامة الذي قرب وقته ، وتعنى على الكافرين بالقرآن غفلتهم عن ذلك ، واستبدالهم الضحك مكان بكائهم واتعاظهم به ، وقد طلبت إلى المؤمنين أن يسجدوا لله الذي أنزله ويعبدوه .

1 - أقسم بالنجم إذا هوى للغروب : ما عدل محمد عن طريق الحق وما اعتقد باطلا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النجم مكية وآيها إحدى أو اثنتان وستون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم { والنجم إذا هوى } أقسم بجنس النجوم أو الثريا فإنه غلب فيها إذا غرب أو انتثر يوم القيامة أو انقض أو طلع فإنه يقال : هوى هويا بالفتح إذا سقط وغرب ، وهويا بالضم إذا علا وصعد ، أو بالنجم من نجوم القرآن إذا نزل أو النبات إذا سقط على الأرض ، أو إذا نما ارتفع على قوله : { ما ضل صاحبكم } .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

أهداف سورة النجم

سورة النجم مكية ، وآياتها 62 آية ، نزلت بعد سورة الإخلاص

وتتميز سورة النجم بقصر الفواصل ، والتنغيم الموسيقي بين فقراتها وكلماتها ، فهي منظومة علوية إلهية ، وتشتمل سورة النجم على الآتي :

1- تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم :

في مطلع السورة نعيش لحظات مع قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، مكشوفة عنه الحجب مزاحة عنه الأستار ، يتلقى من الملأ الأعلى ، يسمع ويرى ويحفظ ما وعى ، وهي لحظات خص بها ذلك القلب المصفى ، حين عرج به في رحاب الملأ الأعلى .

أقسم الله بالثريا إذا سقطت عند الفجر أن محمدا راشد غير ضال ، متهم غير غاو ، مخلص غير مغرض ، مبلّغ عن الحق بالحق غير واهم ولا مفتر ولا مبتدع ، ولا ناطق عن الهوى فيما يبلغكم من الرسالة ، إن هو إلا وحي يوحى ، وهو يبلغكم ما يوحى إليه صادقا أمينا .

وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل مرتين على صورته التي خُلق عليها :

الأولى : عند غار حراء ، وكان ذلك في مبدأ الوحي حين رآه النبي يسد الأفق بخلقه الهائل ، ثم دنا منه فتدلى نازلا مقتربا إليه ؛ فكان أقرب ما يكون منه على بعد ما بين القوسين أو أدنى ، وهو تعبير عن منتهى القرب ، فأوحى إلى عبد الله ما أوحى ، بهذا الإجمال والتفخيم والتهويل .

والثانية : كانت ليلة الإسراء والمعراج ، فقد دنا منه جبريل وهو على هيئته التي خلقه الله بها مرة أخرى ، عِنْدَ سِدْرَةِ المنتهى . أي : شجرة ينتهي إليها علم الخلائق ، أو انتهت إليها صحبة جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وقف جبريل وصعد محمد صلى الله عليه وسلم درجة أخرى أقرب إلى عرش ربه .

2- أوهام المشركين :

تتحدث الآيات ( 19-28 ) عن آلهة المشركين المدعاة ، اللات والعزى ومناة ، وعن أوهامهم عن الملائكة وأساطيرهم حول بنوتها لله ، واعتمادهم في هذا كله على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا ، بينما الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى ما دعاهم عن تثبث وروية ويقين .

3- الإعراض عن الملحدين :

أما المقطع الثالث من السورة فيشمل الآيات ( 29-32 ) ، ويوجه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعرض عنهم ، وأن يهمل شأنهم ، وأن يدع أمرهم لله الذي يعلم المسيء والمحسن ويجزي المهدي والضال ، ويملك أمر السماوات والأرض ، وأمر الدنيا والآخرة ، ويحاسب بالعدل لا يظلم أحدا ، ويتجاوز عن الذنوب التي لا يصرُّ عليها فاعلوها ، وهو الخبير بالنوايا والطوايا لأنه خالق البشر ، المطلع على حقيقة أطوار حياتهم جميعا .

الصغائر من الذنوب

والصغائر هي ما دون الفاحشة ، وهي القُبلة واللمسة والمباشرة والنظرة وغيرها ، فإذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل ، وهذه هي الفاحشة .

روى البخاري ، ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى إذا كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " . i

وروى ابن جرير أن ابن مسعود قال : زنا العين النظر ، وزنا الشفتين التقبيل ، وزنا اليدين البطش ، وزنا الرجلين المشي ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ، فإن تقدم بفرجه كان زانيا وإلا فهو اللمم . وكذا قال مسروق والشعبي .

ويرى فريق من العلماء أن اللمم هو الإلمام بالذنوب ثم التوبة منها ، فصاحب اللمم يقع في الكبائر أو يرتكب الآثام غير مُصرٍّ عليها ثم يندم ويتوب من قريب .

قال ابن جرير : عن أبي هريرة رضي الله عنه – أراه رفعه – في : { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ . . . }( النجم : 32 ) . قال : اللمة من الزنا ثم يتوب ولا يعود ، واللمة من السرقة ثم يتوب ولا يعود ، واللمة من شرب الخمر ثم يتوب ولا يعود ، قال : فذلك الإلمام .

وروى ذلك موقوفا على الحسن .

وهذا التفسير يفتح باب التوبة أما الجميع حتى مرتكب الكبيرة لا ييأس ، فإذا صدق في توبته وأخلص في نيته ، وأكد عزمه على التوبة النصوح فإن أمامه رحمة الله الواسعة التي يشمل بها التائبين . ويستأنس لذلك بما في الآية من المغفرة .

{ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } . ( النجم : 32 )

والآية كما نرى تفتح باب الرجاء ، وتدل الناس على عظيم فضل الله ، فهو خلقهم وهو أعلم بهم ، وحين يذنبون لا يغلق باب الرحمة في وجوههم بل يفتح أبواب القبول للتائبين ، ويغفر للمستغفرين ، قال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } . ( الزمر : 53 )

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، فينادي : يا عبادي ، هل من داع فأستجيب له ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من تائب فأتوب عليه ، هل من طالب حاجة فأقضيها له ، حتى يطلع الفجر " . ii

4- حقائق العقيدة :

وفي الآيات الأخيرة من السورة ( 33-62 ) تعود الفواصل القصيرة والتنغيم الكامل في أسلوب بسيط ، وإيقاع يسير ، وتقرر الآيات الحقائق الأساسية للعقيدة كما هي ثابتة منذ إبراهيم صاحب الحنيفية الأولى ، وتُعرف البشر بخالقهم ، فآثاره واضحة أمام الناس فهو الخالق الرازق صاحب الطول والإنعام ، ومنه المبدأ وإليه المنتهى ، وهو الذي أهلك المكذبين من عاد وثمود وقوم نوح ، ولكنكم يا أهل مكة تضحكون وتسخرون ، وتسترسلون في غيكم وعنادكم ، وأولى بكم أن تسجدوا لله وأن تعبدوه ، وأن تقبلوا على دينه مقرين لله بالعبودية ، ولمحمد بالرسالة .

في فضل سورة النجم

أخرج البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، عن بن مسعود قال : أول سورة أنزلت فيها سجدة : والنجم ، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسجد الناس كلهم ، إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه ، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا ، وهو أمية بن خلف . iii

إثبات النبوة وظاهرة الوحي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ( 1 ) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ( 2 ) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ( 3 ) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ( 4 ) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ( 5 ) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ( 6 ) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ( 7 ) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ( 8 ) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ( 9 ) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ( 10 ) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ( 11 ) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ( 12 ) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ( 13 ) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( 14 ) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ( 15 ) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ( 16 ) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ( 17 ) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ( 18 ) }

1

المفردات :

هوى : سقط وغرب ، أو نزل .

ما ضلّ : ما حاد عن الطريق المستقيم .

صاحبكم : محمد صلى الله عليه وسلم .

وما غوى : ما اعتقد باطلا ، والخطاب في هذا لقريش .

وما ينطق عن الهوى : ما يتكلم بالباطل .

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4- { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } .

يقسم الله تعالى بالنجم الذي يُهتدى به في ظلمات البر والبحر .

وللنجوم فوائد ثلاث :

( أ‌ ) زينة للسماء .

( ب‌ ) رجوم للشياطين .

( ت‌ ) هداية للسائرين .

والنجوم عالم كبير متحرك ، له مسارات منتظمة لا تصطدم ببعضها ، بل تسير بحكمة الله وقدرته الذي يمسك بنظام هذا الكون .

قال تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } . ( الواقعة : 75-80 )

يقسم الله بالنجوم عند إدبارها آخر الليل ، أو بالنجم الذي يهوي شهابا ثاقبا فيقتل الشياطين أو يخبلها .

وكانت الشياطين ترصّ بعضها فوق بعض ، حتى يكون آخر شيطان يستطيع أن يتسمَّع إلى كلام الملائكة ، فيسترق السمع ، ويخبر به الكهَّان ، فيكذب الكاهن مع هذا الأمر مائة كذبة ، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم شُدَّت الحراسة على السماء ، فمن حاول استماع الغيب أصابه شهاب ثاقب ( نجم يهوى ) فيقتله أو يخبله ، فلما أخبرت الجنّ رئيسها بذلك ، قال لهم : انطلقوا في الأرض فانظروا ما حدث فيها ، فانطلقت طائفة إلى مكة ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ببطن نخلة يقرأ القرآن ، وقد وردت هذه المعاني في صدر سورة الجن ، وفي حديث نبوي شريف بالجامع الصحيح للإمام البخاري .

وفي أول سورة الجن يقول تعالى : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } . ( الجن : 1-2 ) .

وفي الآيتين ( 8-9 ) من سورة الجن يقول الله تعالى : { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا } . ( الجن : 8-9 )

عود إلى التفسير

أقسم الله تعالى بالنجم الذي يهوى شهابا ثاقبا ، وسهما مصيبا يقتل الجنّي أو يخبله ، أو أقسم بالنجوم عند إدبارها في آخر الليل ، أو أقسم بنجم الشعرى ، وكان بعض العرب يعبده ، وكان قدماء المصريين يوقنون فيضان النيل ، بعبور الشّعرى بالفلك الأعلى ، ويرصدونه من أجل ذلك ، ويرقبون حركاته ، وللشّعرى في شأن أساطير الفرس وأساطير العرب على السواء .

وقيل : أقسم الله بالثّريا ، وقيل : أقسم بجنس النجم الذي له هذه الصفات الجليلة ، والحركة المنتظمة .

{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } . ما بعُد محمد صلى الله عليه وسلم عن الحقّ ، وما غاب عن الهدى .

{ وما غوى } : وما خاب ولا انخرط في سلك الجهال الضالين ، بل هو راشد مهتد ، يحمل النّور والهدى ، كما يحمل النجم الضوء للسّارين ، وإن جبريل لينزل عليه في سرعة النجم إذا هوى .

{ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } : إن كلامه وحديثه وأقواله لا تصدر عن هوى وغرض .

{ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } .

إن ما ينطق به محمد صلى الله عليه وسلم هو وحي السماء ، هو القرآن الكريم الذي ينقله جبريل عن الله عز وجل ، ثم يتلقاه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل بواسطة الوحي .

وقد قال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه ، حيث كان يرغب في كتابة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم : " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق " .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآياتها ثنتان وستون

بسم الله الرحمان الرحيم

نزلت حين قال المشركون : إن محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] يختلق القرآن .

{ والنجم إذا هوى } أقسم الله تعالى بالنجم وقت غروبه على أن محمدا صلى الله عليه وسلم منزه عن شائبة الضلال والغواية . والنجم : اسم جنس لكل كوكب ؛ فالمقسم به جنس النجم المعروف إذا هوى ، أي سقط وغرب . يقال : هوى يهوي هويا وهويا ، سقط من فوق إلى أسفل . وقيل : المصدر بالضم إذا سقط ، وبالفتح إذا صعد ، وقيل بالعكس . وتقييد المقسم به بوقت هويه لأنه إذا كان في وسط السماء يكون بعيدا عن الأرض فلا يهتدي به الساري ؛ لأنه لا يعلم به المشرق من المغرب ، ولا الجنوب من الشمال . فإذا هبط من وسط السماء تبين بهبوطه جانب المغرب من المشرق ، والجنوب من الشمال .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النجم

وتسمى أيضا سورة النجم بدون واو وهي مكية على الإطلاق وفي الإتقان استثنى منها { الذين يجتنبون } إلى اتقى وقيل : { أفرأيت الذي تولى } الآيات التسع ومن الغريب حكاية الطبرسي عن الحسن أنه مدنية ولا أرى صحة ذلك عنه أصلا وآيها اثنتان وستون آية في الكوفي وإحدى وستون في غيره وهي كما أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أول سورة أعلن النبي صلى الله وسلم بقراءتها فقرأها في الحرم والمشركون يسمعون وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عنه قال : أول سورة أنزلت فيها سجدة { والنجم } فسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسجد الناس كلهم إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا وهو أمية بن خلف وفي البحر أنه عليه الصلاة والسلام سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب وقال : يكفي هذا فيحتمل أنه وأمية فعلا كذلك وهي شديدة المناسبة لما قبلها فإن الطور ختمت بقوله تعالى : { إدبار النجوم } وافتتحت هذه بقوله سبحانه : { والنجم } وأيضا في مفتتحها ما يؤكد رد الكفرة فيما نسبوه إليه صلى الله عليه وسلم من التقول والشعر والكهانة والجنون وذكر أبو حيان أن سبب نزولها قول المشركين : إن محمدا عليه الصلاة والسلام يختلق القرآن وذكر الجلال السيوطي في وجه مناسبتها أن الطور فيها ذكر ذرية المؤمنين وأنهم تبع لآبائهم وهذه فيها ذكر ذرية اليهود في قوله تعالى : { هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } الآية فقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبري وأبو نعيم في المعرفة والواحدي عن ثابت بن الحرث الأنصاري قال : كانت اليهود إذا هلك لهم صبي صغير قالوا هو صديق فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : كذبت ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمها إلا أنه شقي أو سعيد فأنزل الله تعالى عند ذلك { وهو أعلم بكم } الآية كلها وأنه تعالى لما قال هناك في المؤمنين : { ألحقنا بهم ذريتهم } الخ قائلا سبحانه هنا في الكفار أو في الكبار : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } خلاف ماد خل في المؤمنين الصغار ثم قال : وهذا وجه بديع في المناسبة من وادى التضاد وفي صحة كون قوله تعالى : { هو أعلم بكم } الآية نزل لما ذكر نظر عندي وكون قوله تعالى : { ألحقنا بهم ذريتهم } في الصغار لم يتفق عليه المفسرون كما سمعت غير بعيد نعم من تأمل ظهر له وجوه من المناسبات غير ما ذكر فتأمل .

بسْم الله الرحمن الرحيم { والنجم إِذَا هوى } أقسم سبحانه بجنس النجم المعروف على ما روى عن الحسن ومعمر بن المثنى ، ومنه قوله

: فباتت تعد النجم في مستحيرة *** سريع بأيدي الآكلين جمودها

ومعنى { هوى } غرب ، وقيل : طلع يقال هوى يهوى كرمى يرمي هوياً بالفتح في السقوط والغروب لمشابهته له ؛ وهوياً بالضم للعلو ، والطلوع ، وقيل : الهوى بالفتح للإصعار والهوى بالضم للانحدار ؛ وقيل : الهوى بالفتح والضم السقوط ويقال أهوى بمعنى هوى ، وفرق بعض اللغويين بينهما بأن هوى إذا انقض لغير صيد ، وأهوى إذا انقض له ، وقال الحسن . وأبو حمزة الثمالي : أقسم سبحانه بالنجوم إذا انتثرت في القيامة ، وعن ابن عباس في رواية أقسم عز وجل بالنجوم إذا انقضت في إثر الشياطين ، وقيل : المراد بالنجم معين فقال مجاهد . وسفيان : هو الثريا فإن النجم صار علماً بالغلبة لها ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «إذا طلع النجم صباحاً ارتفعت العاهة » وقول العرب : طلع النجم عشاءاً فابتغى الراعي كساء ، طلع النجم غدية فابتغي الراعي كسية وفسر هويها بسقوطها مع الفجر ، وقيل : هو الشعري المرادة بقوله تعالى : { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى } [ النجم : 49 ] والكهان يتكلمون على المغيبات عند طلوعها ، وقيل : الزهرة وكانت تعبد ، وقال ابن عباس . ومجاهد . والفراء . ومنذر بن سعيد : { الطارق النجم } المقدار النازل من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ، { وَإِذَا هوى } بمعنى إذا نزل عليه مع ملك الوحي جبريل عليه والسلام ، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : هو النبي صلى الله عليه وسلم وهويه نزوله من السماء ليلة المعراج ، وجوز على هذا أن يراد بهويه صعوده وعروجه عليه الصلاة والسلام إلى منقطع الأين ، وقيل : هو الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وقيل : العلماء على إرادة الجنس ، والمراد بهويهم قيل : عروجهم في معارج التوفيق إلى حضائر التحقيق ، وقيل : غوصهم في بحار الأفكار لاستخراج درر الأسرار ، وأظهر الأقوال القول بأن المراد بالنجم جنس النجم المعروف فإن أصله اسم جنس لكل كوكب ، وعلى القول بالتعيين فالأظهر القول بأنه الثريا ، ووراء هذين القولين القول بأن المراد به المقدار النازل من القرآن ، وفي الإقسام بذلك على نزاهته عليه الصلاة والسلام عن شائبة الضلال والغواية من البراعة البديعة وحسن الموقع ما لا غاية وراءه ، أما على الأولين فلأن النجم شأنه أن يهتدي به الساري إلى مسالك الدنيا كأنه قيل : { والنجم } الذي تهتدي به السابلة إلى سواء السبيل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة النجم [ وهي ] مكية

{ 1-18 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }

يقسم تعالى بالنجم عند هويه أي : سقوطه في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل وإقبال النهار ، لأن في ذلك من آيات الله العظيمة ، ما أوجب أن أقسم به ، والصحيح أن النجم ، اسم جنس شامل للنجوم كلها ، وأقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الإلهي ، لأن في ذلك مناسبة عجيبة ، فإن الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء ، فكذلك الوحي وآثاره زينة للأرض ، فلولا العلم الموروث عن الأنبياء ، لكان الناس في ظلمة أشد من الليل البهيم .

* والمقسم عليه ، تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الضلال في علمه ، والغي في قصده ، ويلزم من ذلك أن يكون مهتديا في علمه ، هاديا ، حسن القصد ، ناصحا للأمة{[890]}  بعكس ما عليه أهل الضلال من فساد العلم ، وفساد القصد{[891]}


[890]:- في ب: للخلق.
[891]:- في ب: وسوء .