مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (109)

قوله تعالى { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون }

اعلم أنه قرأ حفص عن عاصم { نوحى } بالنون ، والباقون بالياء { أفلا يعقلون } قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ، ورواية حفص عن عاصم : { تعقلون } بالتاء على الخطاب ، والباقون : بالياء على الغائب .

واعلم أن من جملة شبه منكري نبوته عليه الصلاة والسلام أن الله لو أراد إرسال رسول لبعث ملكا ، فقال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } فلما كان الكل هكذا فكيف تعجبوا في حقك يا محمد والآية تدل على أن الله ما بعث رسولا إلى الحق من النسوان وأيضا لم يبعث رسولا من أهل البادية . قال عليه الصلاة والسلام : « من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل »

ثم قال : { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا } إلى مصارع الأمم المكذبة وقوله : { ولدار الآخرة خير } والمعنى دار الحالة الآخرة ، لأن للناس حالتين حال الدنيا وحال الآخرة ، ومثله قوله صلاة الأولى أي صلاة الفريضة الأولى ، وأما بيان أن الآخرة خير من الأولى فقد ذكرنا دلائله مرارا .