غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (109)

103

قال : { وما أرسلنا من قبلك } وفي " الأنبياء " { قبلك } [ الأنبياء : 7 ] بغير " من " لأن قبلاً اسم للزمان السابق على ما أضيف إليه و " من " تفيد استيعاب الطرفين ، وفي هذه السورة أريد الاستيعاب . قوله : { إلا رجالاً } ردّ على من زعم أن الرسول ينبغي أن يكون ملكاً أو يمكن أن يكون امرأة مثل سجاح المتنبئة . وقوله : { من أهل القرى } خصهم بالاستنباء لما في أهل البادية في الغلظ والجفاء { فبما رحمة من الله لنت لهم }

[ آل عمران : 159 ] قال صلى الله عليه وسلم : " من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل " { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا } إلى مصارع الأمم المكذبة إنما قال : { أفلم يسيروا } بالفاء بخلاف ما في " الروم " والملائكة لاتصاله بقوله : { وما أرسلنا من قبلك } فكان الفاء أنسب من الواو { ولدار الآخرة } موصوفه محذوف أي ولدار الساعة والحال الآخرة لأن للناس حالين : حال الدنيا وحال الآخرة .

وبيان الخيرية قد مر في " الأنعام " . وإنما خصت ههنا بالحذف لتقدم ذكر الساعة . قال في الكشاف : حتى غاية لمحذوف دل عليه الكلام والتقدير فتراخى نصر أولئك الرجال حتى إذا استيأسوا عن النصر أو عن إيمان القوم { وظنوا أنهم قد كذبوا } فيه وجوه لقراءتي التخفيف والتشديد ولإمكان عود الضمير في الفعلين إلى الرسل أو إلى المرسل إليهم الدال عليهم ذكر الرسل أو السابق ذكرهم ، { أفلم يسيروا } وأما وجوه التخفيف فمنها : وظن الرسل أنهم قد كذبوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون ، أو كذب رجاؤهم لقولهم رجاء صادق وكاذب .

والمراد أن مدة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله قد تطاولت وتمادت حتى توهموا أن لا نصر لهم في الدنيا . قال ابن عباس : ظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر . قال : وكانوا بشراً ألا تراً إلى قوله : { وزلزلوا } والعلماء حملوا قول ابن عباس على ما يخطر بالبال شبه الوسواس وحديث النفس من عالم البشرية . وأما الظن الذي هو ترجيح أحد الجانبين على الآخر فلا ، لأن الرسل أعرف الناس بالله وبأن ميعاده مبرأ عن وصمة الأخلاف .

/خ111