السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (109)

ولما قال أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم هلا بعث الله ملكاً ؟ قال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك } إلى المكلفين { إلا رجالاً } ، أي : مثل ما أنك رجل لا ملائكة ولا إناثاً كما قاله ابن عباس ، ولا من الجنّ كما قاله الحسن ، { يوحى إليهم } ، أي : بواسطة الملائكة مثل ما يوحي إليك . وقرأ حفص قبل الواو بالنون وكسر الحاء ، والباقون بالياء وفتح الحاء وضم الهاء من إليهم حمزة على أصله ، وكسرها الباقون { من أهل القرى } ، أي : من أهل الأمصار والمدن المبنية بالمدر والحجر ونحوه لا من أهل البوادي ؛ لأنّ أهل الأمصار أفضل وأعلم وأكمل وأعقل من أهل البوادي ، ومكة أم القرى ؛ لأنها مجمع لجميع الخلائق لما أمروا به من حج البيت وكان العرب كلهم يأتونها فكيف تعجبوا في حقك ؟ قال الحسن : لم يبعث الله نبياً من البادية لغلظهم وجفائهم ، ثم هدّدهم سبحانه وتعالى بقوله تعالى : { أفلم يسيروا } ، أي : هؤلاء المشركون المكذبون { في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } من المكذبين للرسل والآيات فيحذروا تكذيبك ويعتبروا بهم وبما حلّ بهم من عذابنا .

ولما أنّ الله تعالى نجى المؤمنين عند نزول العذاب بالأمم الماضية المكذبة وما في الآخرة خير لهم بين ذلك بقوله تعالى : { ولدار الآخرة } ، أي : ولدار الحال الآخرة أو الساعة الآخرة أو الحياة الآخرة { خير } وهي الجنة { للذين اتقوا } الله من حياة مآلها الموت ، وإن فرحوا فيها بالمحال وإن امتدّت ألف عام وكان عيشها كله رغداً من غير آلام { أفلا يعقلون } فيستعملون عقولهم فيتبعون الداعي إلى هذا السبيل الأقوم . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالتاء على الخطاب لأهل مكة ، والباقون بالياء على الغيبة لهم وللمشركين المكذبين .