تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (109)

وقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ) ذكر رجالا والله أعلم ؛ أي لم نبعث رسولا من قبل إلا بشرا ، لم نبعث ملكا ولا جنا ، فكيف أنكرتم رسالة محمد [ بعلة ][ ساقطة من الأصل وم ] أنه بشر ؟

ولم يروا رسولا من قبل [ ولم يسمعوا إلا من ][ من م ، في الأصل : ولا سمعوا إلا به ] البشر لقولهم : ( أبعث الله بشرا رسولا )[ الإسراء : 94 ] وكقوله : ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا )[ الأنعام : 9 ] .

هذا ، والله أعلم ، ( إلا رجالا ) مثلك بشرا لا ملكا ولا جنا ، أو ذكر رجالا لأنه لم يبعث امرأة رسولا .

وقوله تعالى : ( نوحي إليهم من أهل القرى ) أي إنما أرسل جملة من أهل الأمصار والمدن ، لم يبعثهم[ في الأصل وم : يبعثوا ] من أهل البوادي وأهل البراري [ وإنما أراد بأهل القرى ][ في الأصل : ولقرى ، في م : إنما يريد ] الأمصار والبنيان فقال الله تعالى : ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان )[ النحل : 112 ] قيل هي مكة . وجميع[ الواو ساقطة من الأصل وم ] ما ذكر في القرآن من القرية والقرى يريد به الأمصار والمدن . وإنما بعث الرسل والأنبياء من الأمصار ولم يبعثهم من البوادي ومن أهل البراري لوجهين : والله أعلم :

أحدهما : لأن لأهل الأمصار والمدن اختلاط بأصناف الناس وامتزاجا بأنواع الخلق ويكون لهم تجارب بالخلق فهم أعقل وأحلم وأبصر من أهل البادية والبرية ؛ إذ اختلاطهم وامتزاجهم إنما يكون [ بالماشية وأنواع البهائم ][ في الأصل : الماشية وأنواع ، في م : بالماشية في أنواع ] لذلك بعثوا من الأمصار دون البادية .

وبعد فإن الرسل يكون لهم أسباب وأعلام تتقدم عن وقت الرسالة ويحتاج[ في الأصل وم : يحتاج ] إلى أن يظهر ذلك للخلق ليكون ذلك أسرع إلى الإجابة لهم وأدعى وأنفذ إلى القبول . فإذا كانوا من أهل البوادي لا يظهر ذلك في الخلق .

والثاني : لأنه[ في الأصل وم : أنه ] يراد من الرسالة إظهارها في الخلق في الآفاق والأطراف والأمصار والمدن هي الأمكنة التي ينتاب الناس إليها في التجارة[ في الأصل وم : التجارب ] وأنواع الحوائج من الآفاق والأطراف فيظهر ذلك فيها ، وفي أهل الآفاق والبوادي والبراري ليس يدخلها ، ولا ينتاب إليها إلا الشاذة من الناس ، ولا تقضى فيها الحوائج ، فلا تظهر في الخلق الرسالة وما يراد بها .

وقوله تعالى : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) أي لم ينظروا ، ولم يتفكروا في من هلك من قبلهم من الأمم بتكذيبهم الرسل أن كيف كان عاقبتهم بالتكذيب في الدنيا ليمتنعوا عن تكذيب رسولهم ؟

وقوله تعالى : ( أفلم يسيروا في الأرض )الآية يخرج على وجهين :

أحدهما : أي قد ساروا ، ونظروا كيف كان عاقبة المكذبين لكنهم عاندوا ولم يعتبروا .

والثاني : أي سيروا في الأرض وانظروا ، ولكن ليس على نفس السير في الأرض ، ولكن على السؤال عما نزل بأولئك .

وقوله تعالى : ( وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ) الشرك أو خلاف الله ورسوله ( أفلا تعقلون ) أن ذلك أفضل وأخير ممن لم يتق ذلك[ في الأصل وم : بذلك ] ، والله أعلم .