فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (109)

{ وما أرسلنا من قبلك } هذا رد على من قال لولا أنزل عليه ملك أي لم نبعث من الأنبياء إلى من قبلهم { إلا رجالا } لا ملائكة أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم ، قاله ابن عباس فكيف ينكرون إرسالنا إياك وتدل الآية على أن الله سبحانه لم يبعث نبيا من السماء ولا من الجن ، وهذا يرد على من قال إن في النساء أربع نبيات حواء وآسية وأم موسى ومريم .

وقد كان بعثة الأنبياء من الرجال دون النساء أمرا معروفا عند العرب حتى قال قيس ابن عاصم في سجاح المتنبئة :

أضحت نبيتنا أنثى فطيف بها *** وأصبحت أنبياء الله ذكرانا

فلعنة الله والأقوام كلهم *** على سجاح ومن باللوم أغرانا

{ نوحي إليهم } كما نوحي إليك وقرئ بالياء مبنيا للمفعول { من أهل القرى } أي المدائن والأمصار دون أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على البدو ولكون أهل الأمصار أتم عقلا وأكمل حلما وأحسن علما وأجل فضلا .

قال قتادة : ما نعلم أن الله أرسل رسولا قط إلا من أهل القرى لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل المعمور وقال الحسن : لم يبعث نبي من بدو ولا من الجن ولا من النساء .

{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم } أفلم يسر هؤلاء المشركون المنكرون لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فينظروا إلى مصارع الأمم الماضية فيعتبروا بهم وما حل بهم من عذاب الله حتى ينزعوا عما هم فيه من التكذيب قال الحسن : أي كيف عذب الله قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح والأمم التي عذبها .

{ ولدار } الساعة { الآخرة } أو الحالة الآخرة أو الحياة الآخرة على حذف الموصوف . وقال الفراء : إن الدار هي الآخرة وأضيف الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظ كيوم الجمعة وصلاة الأولى ومسجد الجامع والكلام في ذلك مبين في كتب الإعراب ، والمراد بهذه الدار الجنة ، وقرئ للدار الآخرة { خير } من دار الدنيا { للذين اتقوا أفلا تعقلون } على الخطاب وقرئ بالتحتية أي يتفكرون ويعتبرون بهم فيؤمنوا .