روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة محمد

وتسمى سورة القتال وهي مدنية عند الأكثرين ولم يذكروا استثناء وعن ابن عباس وقتادة أنها مدنية إلا قوله تعالى : { وكأين من قرية } إلى آخره فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إليه وقال : أنت أحب بلاد الله تعالى إلي وأنت أحب بلاد الله تعالى إلي ولو لا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج منك فأنزل الله تعالى ذلك فيكون مكيا بناء على أن ما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أعني ما نزل في سفر الهجرة من المكي اصطلاحا كما يؤخذ من أثر أخرجه عثمان ابن سعيد الدارمي بسنده إلى يحيى بن سلام وعدة آيها أربعون في البصري وثلاث ونفي الكوفي وتسع بالتاء الفوقية وثلاثون فيما عداهما والخلاف في قوله تعالى : { حتى تضع الحرب أوزارها } وقوله تعالى : { لذة للشاربين } ولا يخفى قوة ارتباط أولها بآخر السورة قبلها واتصاله وتلاحمه بحيث لو سقطت من البين البسملة لكانا متصلا واحدا لا تنافر فيه كالآية الواحدة آخذا بعضه بعنق بعض وكان صلى الله تعالى عليه وسلم على ما أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقرؤها في صلاة المغرب وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال : نزلت سورة محمد آية في بني أمية ولا أظن صحة الخبر نعم لكفار بني أمية الحظ الأوفر من عمومات الآيات التي في الكفار كما أن لأهل البيت رضي الله تعالى عنهم المعلى والرقيب من عمومات الآيات التي في المؤمنين وأكثر من هذا لا يقال سوى أني أقول : لعن الله تعالى من قطع الأرحام وآذى الآل .

{ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله } أي أعرضوا عن الإسلام وسلوك طريقه أو منعوا غيرهم عن ذلك على أن صد لازم أو متعد ، قال في الكشف : والأول أظهر لأن الصد عن سبيل الله هو الاعراض عما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : { قُلْ هذه سَبِيلِى أَدْعُو إلى الله } [ يوسف : 108 ] فيطابق قوله تعالى : { والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَءامَنُواْ بِمَا نُزّلَ على مُحَمَّدٍ } [ محمد : 2 ] وكثير من الآثار تؤيد الثاني ، وفسر الضحاك { سَبِيلِ الله } ببيت الله عز وجل ، وقال : صدهم عنه منعهم قاصديه وليس بذلك . والآية عامة لكل من اتصف بعنوان الصلة ، وقال ابن عباس : هم أي الذين كفروا وصدوا على الوجه الثاني في { صدوا } المطعون يوم بدر الكبرى ، وكأنه عني من يدخل في العموم دخولاً أولياً ، فإن أولئك كانوا صادين بأموالهم وأنفسهم فصدهم أعظم من صد غيرهم ممن كفر وصد عن السبيل ، وأول من أطعم منهم على ما نقل عن سيرة ابن سيد الناس أبو جهل عليه اللعنة نحر لكفار قريش حين خرجوا من مكة عشرا من الإبل ، ثم صفوان بن أمية نحر تسعا بعسفان ، ثم سهل بن عمرو نحر بقديد عشرا ثم شيبة بن ربيعة وقد ضلوا الطريق نحر تسعا ثم عبتة بن ربيعة نحر عشرا ، ثم مقيس الجمهى بالأبواء نحر تسعا ، ثم العباس نحر عشرا ، والحرث بن عامر نحر تسعا ، وأبو البختري على ماء بدر نحر عشرا ، ومقيس تسعا ؛ ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم ، وقيل : كانوا ستة نفر نبيه . ومنبه ابنا الحجاج . وعتبة . وشيبة ابنا ربيعة . وأبو جهل . والحرث ابنا هشام ، وضم مقاتل إليهم ستة أخرى وهم عامر بن نوفل . وحكيم بن حزام . وزمعة بن الأسود . والعباس بن عبد المطلب . وصفوان بن أمية . وأبو سفيان بن حرب أطعم كل واحد منهم يوماً الاحابيش والجنود يستظهرون بهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا ينافي عد أبي سفيان أن صحت الرواية من أولئك كونه مع العير لأن المراد بيوم بدر زمن وقعتها فيشمل من أطعم في الطريق وفي مدتها حتى انقضت ، وقال مقاتل : هم اثنا عشر رجلاً من أهل الشرك كانوا يصدون الناس عن الإسلام وأمرونهم بالكفر ، وقيل : هم شياطين من أهل الكتاب صدوا من أراد منهم أو من غيرهم عن الدخول في الإسلام .

والموصول مبتدأ خبره قوله تعالى : { الله أَضَلَّ أعمالهم } أي إبطالها وأحبطها وجعلها ضائعة لا أثر لها ولا نفع أصلاً لا بمعنى أنه سبحانه أبطلها وأحبطها بعد أن لم تكن كذلك بل بمعنى أنه عز وجل حكم ببطلانها وضياعها وأريد بها ما كانوا يعملونه من أعمال البر كصلة الأرحام وقرى الأضياف وفك الأساري وغيرها من المكارم .

وجوز أن يكون المعنى جعلها ضلالاً أي غير هدى حيث لم يوفقهم سبحانه لأن يقصدوا بها وجهه سبحانه أو جعلها ضالة أي غير مهتدية على الإسناد المجازي ، ومن قال الآية في المطعمين واضرابهم قال : المعنى إبطال جل وعلا ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالانفاق الذي أنفقوه في سفرهم إلى محاربته عليه الصلاة والسلام وغيره بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم وإظهار دينه على الدين كله ، ولعله أوفق بما بعده ، وكذا بما قيل أن الآية نزلت ببدر .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مدنية ، وآياتها تسع وثلاثون آية . وهي فيها من عظيم الأحكام والأخبار والواعظ ما فيه مزدجر وذكرى لأولى الطبائع السليمة . فضلا عن حلاوة النغم الذي يتجلى في حرف الميم من خواتيم الآيات في هذه السورة . لا جرم أن هذا الجرس الموحي ينشر في أطواء النفس ظلالا من نسائم شتى من البهجة والرهبة والإدّكار .

على أن السورة مبدوءة بالإشارة إلى حبوط الأعمال للكافرين ، وإن صلحت أو كثرت فإنه ما من عمل من الصالحات يأتيه كافر إلا كان صائرا إلى البطلان والحبوط . بخلاف المؤمن فإنه يجزى بعمله خير الجزاء . وتتضمن السورة تحريضا للمؤمنين على قتال الكافرين في ساحات الجهاد ليثخنوا فيهم القتل وليشدوا فيهم وثاق الأسارى منهم . ولهم بعد ذلك الخيار في المن أو المفاداة أو القتل ، تبعا لما يقتضيه مصلحة الإسلام والمسلمين .

وفي السورة وصف للجنة ونعيمها الدائم ، فإن فيها من الخيرات والطيبات ومحاسن العيش الراغد ما تعجز عن تصوره أذهان البشر ويعز على القلم أن يصفها . وفي مقابلة ذلك عذاب جهنم وما فيها من شديد الويلات وعظائم الأمور . وتتضمن السورة كذلك كشفا لحقيقة المنافقين الذين فسدت فيهم الأرواح والطبائع وتبلدت فيهم الضمائر والقلوب فما يستمرئون بعد ذلك الخداع والغش والتحيّل . إلى غير ذلك من الحقائق والأفكار والأخبار والمواعظ والتحذير .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم1 والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم 2 ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم } .

يبين الله في ذلك أن الكافرين لا قيمة ولا وزن لأعمالهم وإن كانت في الخير ، فإنهم مع كفرهم وتكذيبهم بدين الله وبعقيدة التوحيد ، وإنكارهم لليوم الآخر لن يتقبل الله منهم عملا فما جزاؤهم عقب ذلك كله إلا النار . وهو قوله : { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم } والمراد بذلك عموم الكافرين الذين يصدون الناس عن دين الله وهو الإسلام ، ويكرّهون إلى البشرية عقيدة التوحيد ، ومنهج الحق ليجتنبوه اجتنابا ، ولينحرفوا عنه أيما انحراف . أولئك الأشقياء المضلون عن سبيل الله وهو الإسلام { أضل أعمالهم } أي جعل الله أعمالهم ضلالا وضياعا فلا وزن لها ولا اعتبار . وهي بذلك هباء منثورا ليس لها في ميزان الله أيما قيمة ولو بمثقال قطمير ، لأن شرط القبول معدوم من أعمالهم وهو الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والتصديق الكامل بمنهج الله وهو الإسلام . فما يعلمه المرء في كفره أو نفاقه من وجوه الأعمال النافعة كصلة الأرحام وإطعام الجياع والأضياف والمحاويج وبناء الدور لأهل الحاجة وغير ذلك من وجوه الخير والمعروف ، كل ذلك ليس له عند الله أيما وزن أو اعتبار .

وقيل : أبطل الله كيد الكافرين الذين يمكرون بالإسلام والمسلمين ، وجعل الدائرة عليهم .