روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

وقوله تعالى : { وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله } جملة حالية مفيدة لغاية قبح ما فعلوا والمراد بالأمر مطلق التكليف ومتعلقه محذوف واللام للتعليل والكلام في تعليل أفعاله تعالى شهير والاستثناء مفرغ من أعم العلل أي والحال أنهم ما كلفوا في كتابهم بما كلفوا به لشيء من الأشياء إلا لأجل عبادة الله تعالى وقال الفراء العرب تجعل اللام موضع أن في الأمر ك { أمرنا لنسلم } [ الأنعام : 71 ] وكذا في الإرادة ك { يريد الله ليبين لكم } [ النساء : 26 ] فهي هنا بمعنى أن أي إلا بأن يعبدوا الله وأيد بقراءة عبد الله إلا أن يعبدوا فيكون عبادة الله تعالى هي المأمور بها والأمر على ظاهره والأول هو الأظهر وعليه قال علم الهدى أبو منصور الماتريدي هذه الآية علم منها معنى قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] أي إلا لأمرهم بالعبادة فيعلم المطيع من العاصي وهو كما قال الشهاب كلام حسن دقيق { مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } أي جاعلين دينهم خالصاً له تعالى فلا يشركون به عز وجل فالدين مفعول لمخلصين وجوز أن يكون نصباً على إسقاط الخافض ومفعول مخلصين محذوف أي جاعلين أنفسهم خالصة له تعالى في الدين وقرأ الحسن مخلصين بفتح اللام وحينئذٍ يتعين هذا الوجه في الدين ولا يتسنى الأول نعم جوز أن يكون نصباً على المصدر والعامل ليعبدوا أي ليدينوا الله تعالى بالعبادة الدين { حُنَفَاء } أي مائلين عن جميع العقائد الزائغة إلى الإسلام وفيه من تأكيد الإخلاص ما فيه فالحنف الميل إلى الاستقامة وسمي مائل الرجل إلى الاعوجاج أحنف للتفاؤل أو مجاز مرسل بمرتبتين وعن ابن عباس تفسير حنفاء هنا بحجاجا وعن قتادة بمخنتنين محرمين لنكاح الأم والمحارم وعن أبي قلابة بمؤمنين بجميع الرسل عليهم السلام وعن مجاهد بمتبعين دين إبراهيم عليه السلام وعن الربيع بن أنس بمستقبلين القبلة بالصلاة وعن بعض بجامعين كل الدين وحال الأقوال لا يخفى { وَيُقِيمُواْ الصلاة وَيُؤْتُواْ الزكواة } إن أريد بهما ما في شريعتهم من الصلاة والزكاة فالأمر بهما ظاهر وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم بهما في كتابهم أن أمرهم باتباع شريعتنا أمر لهم بجميع أحكامها التي هما من جملتها { وَذَلِكَ } إشارة إلى ما ذكر من عباد الله تعالى بالإخلاص وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وما فيه من البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته في الشرف { دِينُ القيمة } أي الكتب القيمة فأل للعهد إشارة إلى ما تقدم في قوله تعالى : { فِيهَا كُتُبٌ قَيّمَةٌ } [ البينة : 3 ] وإليه ذهب محمد بن الأشعث الطالقاني وقال الزجاج أي الأمة القيمة أي المستقيمة وقال غير واحد أي الملة القيمة والتغاير الاعتباري بين الدين والملة يصحح الإضافة وبعضهم لم يقدر موصوفاً ويجعل القيمة بمعنى الملة وقيل أي الحجج القيمة وقرأ عبد الله رضي الله تعالى عنه الدين القيمة فقيل التأنيث على تأويل الدين بالملة وقيل الهاء للمبالغة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم فقال :{ وما أمروا } يعني هؤلاء الكفار ، { إلا ليعبدوا الله } يعني إلا أن يعبدوا الله ، { مخلصين له الدين } قال ابن عباس : ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا بالإخلاص في العبادة لله موحدين ، { حنفاء } مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، { ويقيموا الصلاة } المكتوبة في أوقاتها ، { ويؤتوا الزكاة } عند محلها ، { وذلك } الذي أمروا به ، { دين القيمة } أي الملة والشريعة المستقيمة . أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته ، لاختلاف اللفظين ، وأنث { القيمة } رداً بها إلى الملة . وقيل : الهاء فيه للمبالغة ، وقيل : { القيمة } هي الكتب التي جرى ذكرها ، أي وذلك دين الكتب القيمة فيما تدعو إليه وتأمر به ، كما قال : { وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه }( البقرة- 213 ) . قال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن قوله : { وذلك دين القيمة } فقال : { القيمة } جمع القيم ، والقيم والقائم واحد ، ومجاز الآية : وذلك دين القائمين لله بالتوحيد .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

قوله : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } يعني ما أمر أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلا بعبادة الله وحده { مخلصين له الدين } أي مفردين له بالطاعة والإذعان { حنفاء } أي متبعين دين إبراهيم ( عليه الصلاة والسلام ) وهو دين التوحيد والاستقامة على عبادة الله وحده لا شريك له . والحنيف ، الصحيح الميل إلى الإسلام ، الثابت عليه{[4842]} { ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة } أي ليقيموا بكمال صفاتها من تمام الشروط والأركان والواجبات والمستحبات ، وليؤدوا زكاة أموالهم للفقراء والعالة والمحاويج { وذلك دين القيمة } أي وذلك الدين الذي أمروا به هو دين القيمة . أي العادلة المستقيمة . فهو الدين المستقيم الذي لا زيغ فيه ولا عوج {[4843]} .


[4842]:القاموس المحيط جـ 3 ص 134.
[4843]:تفسير الرازي جـ 32 ص 46 والكشاف جـ 4 ص 274 وتفسير الطبري جـ 30 ص 170.