تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

الآية5 : وقوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } أي ما أمر أوائلهم وأواخرهم في تلك الكتب إلا ليعبدوا الله تعالى ، ولا يعبدوا من دونه ، أو ما أمروا إلا ليعبدوا الله تعالى ، ولا يعبدوا من دونه أو ما أمروا إلا ليجعلوا الألوهية لله والوحدانية له .

ودل قوله : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله } على أن تأويل قوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات : 56 ) على إضمار الأمر ، أي إلا ليأمرهم بالعبادة على كل حال ، لأنه لو خلقهم للعبادة ما قدروا غيره ، أو أن يكون قوله : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } على الخصوص ، خلق عن علم أنه يعبدهم{[23915]} للعبادة .

وقوله تعالى : { مخلصين له الدين } : { له } يخرج على وجهين :

أحدهما : أن يخلص له الدين ، ويصفى ، لا يشرك فيه غيره ، ويكون من خلوص وصفاء{[23916]} .

والثاني : الدين الخالص ، هو الدائم كقوله تعالى : { وله الدين واصبا } ( النحل : 52 ) وكذلك يحتمل قوله : { لله الدين الخالص } ( الزمر : 3 ) .

وقوله تعالى : { حنفاء } قال أهل التأويل : المسلمون ، وقال بعضهم : حنفاء متبعين ، والحنف الميل ، كأنه قال : مائلين إلى الإسلام ، وقيل : { حنفاء } الحجاج ، وقيل : الحنف المستقيم .

وقوله تعالى : { ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة } يحتمل القبول ، أي قبلوا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، أي تابوا ، وقبلوا ذلك ، ليس على حقيقة الإقامة ، ويحتمل أن يكون على حقيقة الإقامة والإتيان ، وأيهما كان ففيه أن أوائلهم كانوا مأمورين بالصلاة والزكاة .

ثم المعنى الذي في الصلاة والزكاة ، لا يحتمل النسخ في وقت من الأوقات ، لأن الصلاة معناها الاستسلام والخضوع له ، والزكاة ، هي تزكية النفس وطهارتها ، وذلك لا يحتمل النسخ ( أصلا ){[23917]} .

وقوله{[23918]} تعالى : { وذلك دين القيمة } /650أ/ والدين مذكر ، والقيمة مؤنث ، فجائز أن يكون الذي ذكر ، هو الملة ، ويحتمل دين الأمة القيمة ، وهو قول الزجاج ، أو يقول : ذلك الدين قومته الحجج ، والبراهين أضيفت إلى الحجج .

وجائز أن يكون ذكر القيمة على التسوية بين ما سبق ، وتقدم من أواخر الآي من قوله تعالى : { حتى تأتيهم البينة } وقوله{[23919]} : { مطهرة } وقوله{[23920]} { وكتب قيمة } تسوية بين ما تقدم وما تأخر من قوله : { خير البرية } وقوله{[23921]} : { شر البرية } وفي حرف ابن مسعود : { ذلك الدين القيم لغيره }{[23922]} .

وفي قوله تعالى : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } وجهان :

أحدهما : تحذير لهذه الأمة لئلا يتفرقوا كما تفرق أولئك في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ما جاء به .

والثاني : يكونون دائما فزعين إلى الله تعالى في كل وقت ، خائفين منه ، وألا يكلوا إلى البيان الذي جاءهم ، فيتفرقوا كما تفرق أولئك .


[23915]:في الأصل وم: يعبده
[23916]:في الأصل وم: وصفائه
[23917]:من نسخة الحرم المكي ساقطة من الأصل وم
[23918]:في الأصل وم: وقال
[23919]:في الأصل وم: و
[23920]:في الأصل وم و
[23921]:في الأصل وم:و
[23922]:في الأصل وم: القيمة لغيرها