فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

وجملة { وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله } في محل نصب على الحال مفيدة لتقريعهم وتوبيخهم بما فعلوا من التفرّق بعد مجيء البينة : أي والحال أنهم ما أمروا في كتبهم إلاّ لأجل أن يعبدوا الله ويوحدوه حال كونهم { مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } أي جاعلين دينهم خالصاً له سبحانه أو جاعلين أنفسهم خالصة له في الدين . وقيل : إن اللام في { ليعبدوا } بمعنى «أن » : أي ما أمروا إلاّ بأن يعبدوا كقوله : { يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ } [ النساء : 26 ] : أي أن يبيّن ، و{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله } [ الصف : 8 ] أي أن يطفئوا قرأ الجمهور { مُخْلِصِينَ } بكسر اللام . وقرأ الحسن بفتحها . وهذه الآية من الأدلة الدالة على وجوب النية في العبادات لأن الإخلاص من عمل القلب ، وانتصاب { حُنَفَاء } على الحال من ضمير { مخلصين } ، فتكون من باب التداخل ، ويجوز أن تكون من فاعل «يعبدوا » ، والمعنى : مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام . قال أهل اللغة : أصله أن يحنف إلى دين الإسلام : أي يميل إليه { وَيُقِيمُواْ الصّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزكاة } أي يفعلوا الصلوات في أوقاتها ، ويعطوا الزكاة عند محلها ، وخصّ الصلاة والزكاة لأنهما من أعظم أركان الدين . قيل إن أريد بالصلاة والزكاة ما في شريعة أهل الكتاب من الصلاة والزكاة فالأمر ظاهر ، وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم بهما في الكتابين أمرهم باتباع شريعتنا ، وهما من جملة ما وقع الأمر به فيها . { وَذَلِكَ دِينُ القيمة } أي وذلك المذكور من عبادة الله وإخلاصها وإقامة الصلاة والزكاة { دِينُ القيمة } أي دين الملة المستقيمة . قال الزجاج : أي ذلك دين الملة المستقيمة ، فالقيمة صفة لموصوف محذوف . قال الخليل : القيمة جمع القيم ، والقيم : القائم . قال الفرّاء : أضاف الدين إلى القيمة ، وهو نعته لاختلاف اللفظين . وقال أيضاً : هو من إضافة الشيء إلى نفسه ، ودخلت الهاء للمدح والمبالغة .

/خ8