لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ} (5)

{ وما أمروا } يعني هؤلاء الكفار { إلا ليعبدوا الله } أي وما أمروا إلا أن يعبدوا الله . قال ابن عباس : ما أمروا في التوراة ، والإنجيل ، إلا بإخلاص العبادة لله موحدين له { مخلصين له الدين } الإخلاص عبارة عن النّية الخالصة ، وتجريدها عن شوائب الرّياء ، وهو تنبيه على ما يجب من تحصيل الإخلاص من ابتداء الفعل إلى انتهائه ، والمخلص هو الذي يأتي بالحسن لحسنه ، والواجب لوجوبه ، والنّية الخالصة لما كانت معتبرة كانت النية معتبرة ، فقد دلت الآية على أن كل مأمور به فلا بد وأن يكون منوياً ، فلا بد من اعتبار النية في جميع المأمورات . قال أصحاب الشّافعي : الوضوء مأمور به ، ودلت هذه الآية على أن كل مأمور به يجب أن يكون منوياً ، فتجب النية في الوضوء ، وقيل : الإخلاص محله القلب ، وهو أن يأتي بالفعل لوجه الله تعالى مخلصاً له ، ولا يريد بذلك رياء ولا سمعة ولا غرضاً آخر ، حتى قالوا في ذلك : لا يجعل طلب الجنة مقصوداً ، ولا النجاة من النار مطلوباً ، وإن كان لا بد من ذلك ؛ بل يجعل العبد عبادته لمحض العبودية ، واعترافاً لربه عزّ وجلّ بالرّبوبية . وقيل في معنى { مخلصين له الدّين } : مقرين له بالعبودية ، وقيل : قاصدين بقلوبهم رضا الله تعالى بالعبادة . ( م ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لا ينظر إلى أجسامكم ، ولا صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم " . { حنفاء } أي مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، وقيل : متبعين ملة إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام ، وقيل : حنفاء أي حجاجاً ، وإنما قدمه على الصّلاة والزّكاة لأن فيه صلاة وإنفاق مال ، وقيل : حنفاء أي مختونين محرمين لنكاح المحارم ، وقيل : الحنيف الذي آمن بجميع الأنبياء والرّسل ، ولا يفرق بين أحد منهم ، فمن لم يؤمن بأشرف الأنبياء -وهو محمد صلى الله عليه وسلم - فليس بحنيف { ويقيموا الصلاة } أي المكتوبة في أوقاتها { ويؤتوا الزكاة } أي المفروضة عند محلها { وذلك } أي الذي أمروا به { دين القيمة } أي الملة المستقيمة والشّريعة المتبوعة ، وإنما أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته لاختلاف اللفظين ، وأنث القيمة رداً إلى الملة ، وقيل : الهاء في القيمة للمبالغة كعلامة ، وقيل : القيمة الكتب التي جرى ذكرها ، أي وذلك دين أصحاب الكتب القيمة ، وقيل : القيمة جمع القيم ، والقيم ، والقائم واحد ، والمعنى وذلك دين القائمين لله بالتوحيد ، واستدل بهذه الآية من يقول : إن الإيمان قول وعمل ؛ لأن الله تعالى ذكر الاعتقاد أولاً ، وأتبعه بالعمل ثانياً ، ثم قال : وذلك دين القيمة ، والدين هو الإسلام ، والإسلام هو الإيمان ، بدليل قوله{ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } [ الذاريات : 35-36 ] .