فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (60)

{ وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم60 }

وكم من عدد كثير ، وكشيء كثير من العدد من دابة- طير وبهائم- تأكل لوقتها ولا تدخر لغد ، ولا تقدر على حمل رزقها ، أو على تحصيله إلا بإقدار الله ، فالله يرزقها كما يرزقكم ، فلا يجوع المتوكل ، ولا يحرز – على الحقيقة- الحريص ، والله هو الذي أحاط سمعه بكل مسموع وإن خفي أو دق- ومنه ما يقول القاعدون عن نصرة الحق وما به يعتذرون- وبالغ علمه كل ما يعلم- وإن كان حالا أو سرا أو حديث نفس- وهو مجاز بالحق على كل قول وفعل .

[ { الله يرزقها وإياكم } يسوي بين الحريص والمتوكل في رزقه ، وبين الراغب والقانع ، وبين الحيول والعاجز ، حتى لا يغتر الجلد أنه مرزوق بجلده ، ولا يتصور العاجز أنه ممنوع بعجزه ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " ]{[3259]}

أقول : وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المطلوب : [ حق التوكل ] وليس التواكل ، فلنأخذ بالأسباب مع يقيننا بأن الله هو الرزاق ، وله تبارك وتعالى عاقبة الأمور ، فقد يتم المسعى على ساعيه ، ويظفره بما كان يبتغيه ، وقد لا يتم عليه مقصده ، لأمر هو سبحانه يقضيه ، وكما أمرنا سبحانه أن ننتشر في الأرض ، ونبتغي من فضله( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه . . ( {[3260]} ) . . فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله . . ( {[3261]} علمنا في هذا الحديث الشريف أن الطير تغدو ، وتخرج في طلب القوت فينجح الله مسعاها وترجع من سعيها شبعى .


[3259]:ما بين العارضتين مما أورد صاحب[ الجامع لأحكام القرآن..].
[3260]:سورة الملك. من الآية 15.
[3261]:سورة الجمعة. من الآية 10.