الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (60)

{ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَكَأَيِّن } وكم { مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } وذلك إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقد آذاهم المشركون : " أخرجوا إلى المدينة وهاجروا ولا تجاوروا الظلمة فيها " .

فقالوا : يا رسول الله كيف نخرج إلى المدينة ليس لنا بها دار ولا عقار ولا مال ، فمن يطعمنا بها ويسقينا ؟ فأنزل الله سبحانه : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ } ذات حاجة إلى غذاء لا تحمل رزقا فيرفعه لغذائها يعني الطير والبهائم .

{ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } يوماً بيوم { وَهُوَ السَّمِيعُ } لأقوالكم : نخشى لفراق أوطننا العيلة . { الْعَلِيمُ } بما في قلوبكم وما إليه صائرة أموركم .

أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الرقاق ، وقال : حدثنا محمد بن عبد العزيز ، قال : حدثنا إسماعيل بن زرارة الرقي ، قال : حدثنا أبو العطوف الجراح بن المنهال الجوزي ، عن الزهري ، عن عطاء بن أبي رياح ، " عن ابن عمر قال :دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطاً من حياطان الأنصار ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل فقال : " كل يابن عمر " ، قلت : لا أشتهيها يا رسول الله ، قال : «لكنّي أشتهيه وهذه صبحة رابعة لم أزق طعاماً ولم أجده "

فقلت : إنّا لله ، الله المستعان ، قال : " يا بن عمر لو سألت ربّي لأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر أضعافاً مضاعفة ، ولكني أجوع يوماً وأشبع يوماً فكيف بك يابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبّؤون رزق سنة ويضعف اليقين "

فنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } . . . الآية .

أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن حنيش ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا يحيى من معين ، حدثنا يحيى بن اليمان ، عن سفيان ، عن علي بن الأرقم { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } قال : لا تدخر شيئاً لغد .

قال سفيان : ليس شيء مما خلق الله يخبّيء إلاّ الإنسان والفأرة والنملة .