فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (60)

{ وكأين } قد تقدم الكلام فيها وأنها أي دخلت عليها كاف التشبيه ، وصار فيها معنى كم كما صرح به الخليل وسيبويه ، وتقديرها عندهما كشيء كثير من العدد { من دابة } وقيل : المعنى وكم من دابة ذات حاجة إلى غذاء { لا تحمل رزقها } أي لا تطيق حمله لضعفها ، ولا تدخره لغد ، ولا ترفعه معها مثل البهائم والطير .

{ الله يرزقها وإياكم } أي إنما يرزقها الله من فضله ويرزقكم ، فكيف لا تتوكلون على الله مع قوتكم وقدرتكم على أسباب العيش كتوكلها على الله مع ضعفها وعجزها . قال الحسن : تأكل لوقتها لا تدخر شيئا ، وقال مجاهد : يعني الطير والبهائم تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئا .

وعن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ، والمعنى أنها تذهب أول النهار جياعا ضامرة البطون وتروح آخر النهار إلى أوكارها شباعا ممتلئة البطون ، ولا تدخر شيئا . قال سفيان بن عيينة : ليس شيء من خلق الله يخبئ إلا الإنسان والفأرة النملة ، سوّى سبحانه وتعالى في هذه الآية بين الحريص والمتوكل في الرزق ، وبين الراغب والقانع ، وبين الجلد والعاجز يعني أن الجلد لا يتصور أنه مرزوق بجلده ، ولا يتصور أنه ممنوع من الرزق بعجزه .

{ وهو السميع } الذي يسمع كل مسموع { العليم } بكل معلوم .

أخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وابن عساكر ، قال السيوطي : بسند ضعيف عن ابن عمر قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان المدينة فجعل يلتقط التمر ويأكل ، فقال لي : مالك لا تأكل ؟ قلت : لا أشتهيه يا رسول الله ، قال : لكني أشتهيه ، وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ، ولم أجده ، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين ؟ قال : فوالله ما برحنا وما رمنا حتى نزلت : { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا ولا بإتباع الشهوات ، ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ؛ ولا أخبئ رزقا لغد ، وهذا الحديث فيه نكارة شديدة لمخالفته ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يعطي نساءه قوت العام كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة ، وفي إسناد أبو العطوف{[1357]} الجوزي وهو ضعيف . ثم إنه سبحانه ذكر حال المشركين من أهل مكة وغيرهم ، وعجب السامع من كونهم يقرون بأنه خالقهم ورازقهم ولا يوحدونه ولا يتركون عبادة غيره فقال :


[1357]:كان بالأصل وصوابه: أبو العطوف الجزري وهو الجراح بن منهال روى عن الزهري قال أحمد: كان صاحب غفلة، وقال ابن المدين: لا يكتب حديثه. وقال البخاري ومسلم: منكري الحديث. وقال النسائي، والدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: كان يكذب في الحديث ويشرب الخمر. مات سنة سبع وستين ومائة؟ والمطيعي؟