فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

قوله : { يَوْمَ تَجِدُ } منصوب بقوله : { وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ } وقيل : بمحذوف ، أي : اذكر ، و { مُّحْضَرًا } حال ، وقوله : { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء } معطوف على «ما » الأولى : أي : وتجد ما عملت من سوء محضراً تود لو أن بينها ، وبينه أمداً بعيداً .

فحذف محضراً لدلالة الأول عليه ، وهذا إذا كان { تجد } من وجدان الضالة ، وأما إذا كان من وجد بمعنى علم كان محضراً ، هو المفعول الثاني ، ويجوز أن يكون قوله : { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا } جملة مستأنفة ، ويكون «ما » في : { ما عملت } مبتدأ ، ويودّ : خبره . والأمد : الغاية ، وجمعه آماد : أي : تودّ لو أن بينها ، وبين ما عملت من السوء أمداً بعيداً ، وقيل : إن قوله : { يَوْمَ تَجِدُ } منصوب بقوله : { تَوَدُّ } والضمير في قوله : { وَبَيْنَهُ } لليوم ، وفيه بُعْد ، وكرر قوله : { وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ } للتأكيد ، وللاستحضار ؛ ليكون هذا التهديد العظيم على ذكر منهم ، وفي قوله : { والله رَءوفٌ بالعباد } دليل على أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه بعباده لطفاً بهم . وما أحسن ما يحكى عن بعض العرب أنه قيل له : إنك تموت ، وتبعث ، وترجع إلى الله فقال : أتهددونني بمن لم أر الخير قط إلا منه .

/خ30