التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ إِنِ ٱمۡرُؤٌاْ هَلَكَ لَيۡسَ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَهُۥٓ أُخۡتٞ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهَا وَلَدٞۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوٓاْ إِخۡوَةٗ رِّجَالٗا وَنِسَآءٗ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۗ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (176)

وقوله تعالى : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم ) .

أخرج الإمام أحمد في سبب نزول هذه الآية عن جابر بن عبد الله قال : دخل علي رسول الله ( ص ) وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ ثم صب عليّ ، أو قال : صبوا عليه ، ففعلت فقلت : إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث ؟ فأنزل الله آية الفرائض ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) {[866]} أي يطلبون منك أن تفتيهم في الكلالة وهي كما بيناها سابقا مشتقة من الإكليل الذي يحيط بالرأس من جوانبه{[867]} . وقد فسرها أهل العلم بالذي يموت وليس له ولد ولا والد ، وذلك ما ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين والمذاهب الأربعة ، وقال آخرون : هو الذي ليس له ولد استنادا إلى ظاهر الآية ( إن امرؤا هلك ليس له ولد ) والمراد بالهلاك الموت . فإذا مات أحد وليس له ولد ولا والد ( الكلالة ) وكانت له أخت فإنها ترث نصف التركة ، أما إن كانت الكلالة أنثى فتوفيت عن أخ كان له التركة كلها .

فلو ماتت عن زوج وأخت لأب وأم ، كان للزوج النصف وللأخت النصف الآخر . ولو مات عن بنت وأخت ، كان للبنت النصف وللأخت النصف الآخر . وذلك أن النصف الذي للبنت يكون بالفرض وما للأخت فهو بالتعصيب استنادا إلى ما رواه البخاري عن معاذ بن جبل أنه قضى على عهد رسول الله ( ص ) بالنصف للبنت والنصف الآخر للأخت .

ولو مات عن ابنة وابنة ابن وأخت فإن النصف للبنت ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين وما بقي فللأخت . وذلك ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود الذي قضى بمثل ما قضى به رسول الله ( ص ) .

وقوله : ( فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ) أي إذا مات أحد كلالة وكان له أختان ، فإن لكل واحدة منهما الثلث ليكون بذلك لهما الثلثان . وإذا زاد العدد عن الأختين كأن يكن ثلاث أخوات أو أكثر فإنهن جميعا يشتركن في الثلثين ، ذلك أن الثلثين أقصى ما يكون للأخوات هنا وإن كثرن .

قوله : ( وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ) إذا مات أحد وهو كلالة عن إخوة له من الذكور والإناث اتبع الأسلوب الذي ورد في مطلع السورة من حيث التوزيع وهو أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين .

وقوله : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) وهو تبيين للفرائض والحدود التي رسمتها شريعة الله للمؤمنين لئلا يضلوا فيركبوا متن الضلالة والشطط أو يسيروا في طريق تائه متعثر .

وقوله : ( والله بكل شيء عليم ) الله جلت قدرته أعلم حيث يبين شرعه للناس فيوجب فرائضه لتتوزع التركات بين الورثة على أساس من القرابة أو الزوجية . وتلك هي سبيل الحق والعدل في التوزيع بما يلائم فطرة الإنسان وينشر بين أولي القربى أسباب المودة والالتئام . بعيدا في ذلك كله عن أساليب الإفراط والتفريط ، وبعيدا عن كل ظواهر العسف والحيف .


[866]:- تفسير ابن كثير جـ 1 ص 592 وتفسير الطبري جـ 6 ص 28.
[867]:- القاموس المحيط جـ 4 ص 46 ، 47.