{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ( 1 ) وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 176 } .
( 1 ) أن تضلوا : بمعنى لئلا تضلوا
{ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة . . . }الخ .
في الآية حكاية استفتاء أورد على النبي صلى الله عليه وسلم في شأن إرث الكلالة ، أي الذي يموت ولم يكن له ورثة أصليون أو فرعيون أي آباء وأولاد وجواب بفتوى الله في ذلك ينطوي على القواعد التالية :
1 إذا كان الميت كلالة رجل وله أخت واحدة فلها نصف تركته . وإذا كان له أختان فلهما ثلثاها .
2 إذا كان الميت امرأة ولها أخ واحد فله جميع تركتها .
3 إذا كان للميت رجلا كان أو امرأة- إخوة وأخوات عديدة فالتركة تقسم عليهم على أساس أن يكون نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى .
وقد روى المفسرون روايات عديدة في نزول هذه الآية . منها أنها نزلت بناء على سؤال من عمر بن الخطاب أو أنها نزلت في أمر جابر بن عبد الله الذي مرض وعنده مال ولم يكن له إلا شقائق . أو أنها نزلت ؛ لأن المسلمين لم يكتفوا بالآية ( 12 ) من السورة التي فيها تشريع في صدد الكلالة فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم في وجوه أخرى عنها . وليس شيء من الروايات واردا في الصحاح . والمجمع عليه أن حكم الآية ( 12 ) هو في حق من يموت كلالة وله أخوة وأخوات من أمه . وأن حكم الآية التي نحن في صددها هو في حق من يموت كلالة وله أخوة وأخوات أشقاء أو من أبيه . وهذا مستلهم من نص الآيتين . فالأولى تعطي الأخوة والأخوات الثلث وهذه تعطيهم جميع التركة إن كان فيهم ذكور وثلثيها إذا كان شقيقتان أو أكثر . بحيث يصح القول إن المسلمين استعظموا أن يكون نصيب الذي يموت أخوهم كلالة واحدا سواء أكانوا من أمه أم أشقاءه فاستفتوا النبي فأنزل الله الآية .
ويلحظ أن يبقى بواق في حالة إرث الأخت والأختين لأخيهما الشقيق .
ومثل هذه البواقي ملموح في آيات المواريث الواردة في أول هذه السورة . . . وقد تكفلت السنة النبوية إيضاح ذلك على ما شرحناه سابقا وهذا ينسحب على هذه الآية .
ولم نطلع على أثر نبوي أو صحابي في أمر الذي يموت كلالة إذا لم يكن له أشقاء وله أخوة من أبيه فقط . أو إذا كان له أشقاء وله في نفس الوقت أخوة من أبيه أيضا . وفي موطأ مالك ما يفيد أن من كان له أخوة أشقاء ثم أخوة لأبيه فقط .
فالأشقاء يحجبون الأخوة للأب فقط . وقد قال مالك : إنه لا يعرف خلافا لذلك عند أهل العلم . أيضا وفي صدد حديث الكلالة عن أخوة للأب فقط جاء في الموطأ أيضا " إن مما لا خلاف عليه عند أهل العلم أن الأخ للأب أولى من بني الأخ لأم وأب . وهذا يعني أن الوارث هو الأخوة من أب إذا لم يكن للميت أشقاء من أم وأب ، وأنهم يحجبون أبناء الأخوة الأشقاء ، والسداد والحق واضحان في هذا القول الذي يتفق فيه أهل العلم والذي يحتمل أن يكون مستندا إلى آثار نبوية وصحابية وفي الموطأ أولويات مستندة كذلك إلى اتفاق أهل العلم . رأينا من المفيد إيرادها وفيها حق وسداد كما هو المتبادر وهي : إن بني الأخ للأب والأم أولى من بني الأخ للأب . وبني الأخ للأب أولى من أبناء بني الأخ للأب والأم . وبني الأخ للأب أولى من العم أخي الأب للأب والأم . والعم أخو الأب والأم أولى من العم أخي الأب للأب . والعم أخو العم للأب أولى من بني العم أخي الأب للأم والأب .
وبني العم للأب والأم أولى من عم الأب أخي أبي الأب للأب والأم{[716]} .
وهناك مسألة أخرى وهي ما إذا كانت الآية التي نحن في صددها والتي تعطي جميع التركة للأشقاء إذا كانوا أكثر من رجل وامرأة وتعطي جميع تركة الأخت لشقيقها وثلثي تركة الشقيق لشقيقتيه ونصفها لشقيقته . نسخت حكم الآية ( 12 ) التي تعطي سدس التركة للأخ أو الأخت لأم وثلثها إذا كانوا أكثر . والجاري المتفق عليه أنها لم تنسخها فالآية ( 12 ) قد فرضت للأخوة للأم فرضا فيبقى وما بقي بعد ذلك يعطى للأشقاء أو الأخوة من أب على الوجه المشروح بالنسبة للآية التي نحن في صددها .
والمتفق والجاري أن نصيب الزوجة من زوجها الذي يموت كلالة يبقى قائما مع الآية التي نحن في صددها ؛ لأنه مفروض في القرآن فرضا . وهذا مثل ذاك . والله تعالى أعلم .
هذا ولقد روى الطبري وغيره روايات عديدة من طرق مختلفة في صيغ متقاربة تفيد أن الآية التي نحن في صددها آخر آية نزلت من القرآن . وقد روى الشيخان والترمذي صيغة من هذه الرواية عن البراء قال : ( آخر سورة نزلت براءة وآخر آية نزلت { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة }{[717]} هذا مع التنبيه على أن هناك حديثا يرويه البخاري عن ابن عباس جاء فيه ( آخر آية نزلت على النبي آية الربا ) {[718]} ومهما يكن من أمر فالذي يتبادر لنا أن الآية التي نحن في صددها من أواخر ما نزل من آيات القرآن إن لم تكن آخرها . وقد يكون وضعها في آخر سورة النساء دون أن يكون لها أي صلة بالآيات السابقة لها دليلا قويا على ذلك . ثم على أن الآية نزلت بعد أن تم ترتيب وتأليف هذه السورة ، وعلى أن ذلك كان بأمر النبي صلى الله عليه وسام وبالتالي على صحة ما ورد من آثار وأقوال بأن آيات السور القرآنية قد رتبت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبأمره ؛ لأنه لو كان جرى ذلك بعده اجتهادا من أصحاب رسول الله كما يقول بعضهم لكان من المعقول أن توضع الآية في سياق آيات المواريث أو بعدها بقليل .
وننبه على أن هناك أحاديث صحيحة تذكر أن آخر سورة نزلت هي سورة براءة أو سورة النصر ولا نرى تعارضا . فالأحاديث السابقة هي في صدد نزول آيات ، وهذه في صدد نزول سور ، وسوف نزيد هذا شرحا في مناسباته إن شاء الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.