المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

و «غشي » غطى ، أو قارب ، و «الظلل » السحاب ، وقرأ محمد بن الحنفية «الظلال » ومنه قول النابغة الجعدي يصف البحر : [ الوافر ]

يماشيهن أخضر ذو ظلال . . . على حافاته فلق الدنان{[9388]}

ووصف تعالى في هذه الآية حالة البشر الذين لا يعتبرون حق العبرة ، والقصد بالآية تبيين آية تشهد العقول بأن الأوثان والأصنام لا شرك لها فيه ولا مدخل وقوله تعالى : { فمنهم مقتصد } قال الحسن منهم مؤمن يعرف حق الله تعالى في هذه النعم .

وقال مجاهد : يريد { فمنهم مقتصد } على كفره أي منهم من يسلم الله ويفهم نحو هذا من القدرة وإن ضل في الأصنام من جهة أنه يعظمها بسيرته ونشأته ، والختّار القبيح الغدر وذلك أن نعم الله تعالى على العباد كأنها عهود ومنن يلزم عنها أداء شكرها فمن كفر ذلك وجحد به فكأنه ختر وخان ، ومن «الختر » قول عمرو بن معدي كرب : [ الوافر ]

وإنك لو رأيت أبا عمير . . . ملأت يديك من غدر وختر{[9389]}

وقال الحسن : «الختار » هو الغدار ، و { كفور } بناء مبالغة .


[9388]:البيت للنابغة الجعدي، وهو في وصف البحر كما قال المؤلف، وقد ذكره أبو عبيدة في (مجاز القرآن)، ومعنى يماشيهن: يمتد معهن في سيرهن، وظلال البحر: أمواجه، لأنها حين ترتفع تغطي السفينة ومن فيها فكأنها تظلل الجميع، والدنان: جمع دن بالفتح، وهو راقود الخمر الكبير.
[9389]:استشهد أبو عبيدة أيضا بهذا البيت عند تفسير قوله تعالى: {كل ختار كفور}. والختر: الغدر، أو هو أقبح أنواع الغدر والخيانة كما أشار ابن عطية، يقول: إن أبا عمرو هذا غدر وختر مجسمان، فإذا رأيته رأيت الغدر والختر وأمسكتهما بيديك مجسمين في شخصه. و [ختار] في الآية للمبالغة، والفعل من باب ضرب ونصر، تقول: ختر يختر بكسر التاء، وختر يختر بضم التاء. ويروى البيت: (وإنك) بالواو.