قوله : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كالظلل } لما قال : إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكلّ صَبَّارٍ ذكر أن الكُلَّ معترف به غير أن البصير يدركه أولاً ومن في بصيرته ضعف لا يُدْرِكُه أولاً فإذا غَشِيَه موج ووقع في شدة اعترف بأن الكل للَّه{[42637]} ودعاه مخلصاً . وقوله : «كالظلل » قال مقاتل : كالجبال{[42638]} ، وقال الكلبي{[42639]} : كالسحاب .
والظلل جمع الظُّلَةِ شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها{[42640]} ، وجعل الموج وهو واحد كالظُّلَلِ وهو جمع لأن الموج{[42641]} يأتي منه شيء بعد شيء وقوله : { دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } أي يتركون كل من دعوهم { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر } أي نجاهم{[42642]} من تلك الشدة فمنهم من يبقى على تلك الحالة ووصفهم بقوله : «فَمنْهُمْ مُقْتَصِدٌ » أي عدل موف في البر بما عاهَدَ{[42643]} اللَّهَ عليه في البحر من التوحيد له يعني على إيمانه . قيل : نزلت في عكرمةَ بْنِ أبي جهل هَرَبَ عام الفتح في البحر فجاءهم ريح عاصف فقال عكرمةُ : لئن أنجاني{[42644]} الله من هذا الأمر لأرجعن إلى محمد ولأضع{[42645]} يَدِي في يده . فسكنت الريح فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه{[42646]} ، وقال مجاهد : مقتصد{[42647]} في القول أي من الكفار لأن منهم من كان أشد قولاً من بعض .
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في العنكبوت : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } وقال ههنا : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } ؟ ! .
فالجواب : لما ذكر ههنا أمراً عظيماً وهو الموج الذي كالجبال بقي أثر ذلك في قلوبهم فخرج منهم مقتصد أي في الكفر وهو الذي انزجر بعض الإنزجار{[42648]} ، ومقتصد في الإخلاص فيبقى معه شيء منه ولم يبق على ما كان عليه من الإخلاص ، وهناك لم يذكر مع ركوب البحر معانيه مثل ذلك الأمر فذكر إشراكهم حيث لم يبق عندهم أثر .
قوله : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا } في مقابلة قوله تعالى : { إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ } يعني يعترف بها الصبار والشكور ، ويجحدها الختَّارُ الكفور فالصّبَّار في موازنة الختار لفظاً ومعنى ، والكفور في موازنة الشكور أمَّا لفظاً فظاهر ، وأما معنى فلأن الختار هو الغدار الكثير الغدر ، أو شديد الغدر مثال مبالغة من الخَتْر وهو أشد الغدر ( قال الأعشى ) :
4060 - بِأَبْلَقِ الفَرْدِ مِنْ تَيْمَاءَ مَنْزِلُهُ *** حِصْنٌ حَصِينٌ وجارٌ غَيْرُ خَتَّارِ{[42649]}
4061 - فَإِنَّكَ لَوْ رأَيْتَ أَبَا عَمرٍو *** مَلأتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ{[42650]}
وقالوا : «إنْ مَدَدَتْ لَنَا يداً مِنْ غَدْرٍ مَدَدْنَا لَكَ بَاعاً منْ خَتر »{[42651]} والغدر لا يكون إلا من قلة الصبر لأن الصبور إن لم يعقدْ مع أحد لا يُعْهَدُ منه الإضرار فإنه يصبر ويفوض الأمر إلى الله ، وأما الغدار فيعاهدك ولا يصبر على العهد{[42652]} فينقضه وأما أن الكفور في مقابلة الشكور معنى ظاهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.