محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

{ وَإِذَا غَشِيَهُم } أي علاهم وأحاط بهم { مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ } أي كالسحب والحجب { دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي التجؤوا إليه تعالى وحده ، لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد ، بما دهاهم من الضر { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ } قال ابن كثير : قال مجاهد : أي كافر . كأنه فسر ( المقتصد ) ها هنا بالجاحد كما قال تعالى {[6102]} : { فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } وقال ابن زيد : هو المتوسط في العمل . وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله {[6103]} تعالى : { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد } الآية ، فالمقتصد ها هنا هو المتوسط في العمل ، ويحتمل أن يكون مرادا هنا أيضا ، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام ، والآيات الباهرات في البحر . ثم من بعد ما أنعم الله عليه بالخلاص ، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام ، والدؤوب في العبادة ، والمبادرة إلى الخيرات . فمن اقتصد بعد ذلك ، كان مقصرا والحالة هذه . والله أعلم . انتهى . { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ } أي غدار ، ناقض للعهد الفطري ولعقد العزيمة وقت الهول البحري { كَفُورٍ } أي مبالغ في كفران نعمه تعالى . لا يقضي حقوقها ، ولا يستعملها في محابه .


[6102]:(29 / العنكبوت / 65).
[6103]:(35 / فاطر / 32).