الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

ثم قال تعالى : { وإذا غشيهم موج كالظلل } أي : وإذا غشي هؤلاء الذين يشركون بالله غيرهم في حال ركوبهم البحر موج كالظلم ، شبه سواد كثرة الماء وتراكب بعضه على بعض بالظلم ، وهي الظلم جمع ظلة .

وقال الفراء : الظل هنا : السحاب{[55006]} .

{ دعوا الله مخلصين له الدين } أي : إذا غشيهم الموج فخافوا الغرق فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له لا يشركون به هنالك شيئا ، ولا يستغيثون بغيره .

{ فلما نجاهم إلى البر } أي : نجاهم من ذلك الموج والغرق فصاروا في البر .

{ فمنهم مقتصد } أي : في قوله وإقراره بربه ، وهو مضمر للكفر بعد ذلك ، وقال ابن زيد : المقتصد على صلاح من الأمر{[55007]} . وفي الكلام حذف ، كأنه قال : ومنهم كافر بربه الذي نجاه من الغرق . ودل على ذلك قوله : { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور } أي : وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلا كل غدار عنيد . فدل الجحود المذكور على الكفر المحذوف .

وقيل : التقدير ومنهم جائر لأن الاقتصاد ضده الجور ، فدل على ضده ، قال معنى ذلك مجاهد والحسن وقتادة والضحاك/{[55008]} .

والختر عند العرب أشد{[55009]} .


[55006]:انظر: معاني الفراء 330، وإعراب النحاس 3/289
[55007]:انظر: جامع البيان 21/85
[55008]:المصدر السابق
[55009]:انظر: مجاز أبي عبيدة 2/129، ومادة "ختر" في اللسان 4/229، والقاموس المحيط 2/17 ـ 18