معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا} (7)

قوله تعالى : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم } أي : لها ثوابها ، { وإن أسأتم فلها } ، أي : فعليها ، كقوله تعالى : { فسلام لك } [ الواقعة – 91 ] أي : عليك . وقيل : فلها الجزاء والعقاب . { فإذا جاء وعد الآخرة } أي : المرة الآخرة من إفسادكم ، وذلك قصدهم قتل عيسى عليه السلام حين رفع ، وقتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلام ، فسلط الله عليهم الفرس والروم ، خردوش وطيطوس حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم ، فذلك قوله تعالى : { ليسوءوا وجوهكم } ، أي : تحزن وجوهكم ، وسوء الوجه بإدخال الغم والحزن قرأ الكسائي و يعقوب بسوء بالنون وفتح الهمزة على التعظيم ، كقوله : { وقضينا } و{ بعثنا } وقرأ ابن عامر و حمزة بالياء وفتح الهمزة على التوحيد أي : ليسوء الله وجوهكم ، وقيل : ليسوء الوعد وجوهكم . وقرأ الباقون بالياء وضم الهمزة على الجمع ، أي ليسوء العباد أولو البأس الشديد وجوهكم . { وليدخلوا المسجد } يعني : بيت المقدس ونواحيه ، { كما دخلوه أول مرة وليتبروا } ، وليهلكوا ، { ما علوا } أي : ما غلبوا عليه من بلادكم { تتبيراً } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا} (7)

فلما قال الله لهم إني سأفعل بكم هكذا عقب ذلك بوصيتهم في قوله { إن أحسنتم } والمعنى أنكم بعملكم تؤخذون لا يكون ذلك ظلماً ولا تسرعاً إليكم ، و { وعد الآخرة } معناه من المرتين المذكورتين ، وقوله { ليسوءوا } اللام لام أمر ، وقيل المعنى بعثناهم { ليسوءوا } فهي لام كي كلها ، والضمير للعباد «أولي البأس الشديد » ، وقرأ الجمهور : «ليسوءوا » بالياء جمع همزة وبين واوين ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر «ليسوءَ » بالياء وهمزة مفتوحة على الإفراد ، وقرأ الكسائي ، وهي مروية عن علي بن أبي طالب «لنسوء » بنون العظمة{[7478]} ، وقرأ أبي بن كعب «لنسوءن » بنون خفيفة ، وهي لام الأمر{[7479]} ، وقرأ علي بن أبي طالب «ليسوءن » ، وهي لام القسم والفاعل الله عز وجل ، وفي مصحف أبي بن كعب «ليُسيء » بياء مضمومة بغير واو ، وفي مصحف أنس «ليسوء وجهكم » على الإفراد ، وخص ذكر «الوجوه » لأنها المواضيع الدالة على ما بالإنسان من خير أو شر ، و { المسجد } مسجد بيت المقدس ، و «تبر » معناه أفسد بقسم وركوب رأس ، وقوله { ما علوا } أي ما غلبوا عليه من الأقطار وملكوه من البلاد{[7480]} ، وقيل { ما } ظرفية والمعنى مدة علوهم وغلبتهم على البلاد ، و «تبر » معناه رد الشيء فتاتاً كتبر الذهب والحديد ، ونحوه وهو مفتتة .


[7478]:ومعنى هذا أن الفاعل مضمر، ويعود على الله تعالى، أو على الوعد، أو على البعث الدال عليه جملة الجزاء المحذوفة.
[7479]:قال أبو الفتح ابن جني: "كما تقول: إذا سألتني فالأعطك، كأنك تأمر نفسك، ومعناه: فلأعطينك، واللامان بعده للأمر أيضا: وهما: {وليدخلوا المسجد}. [وليتبروا]، ويقوي ذلك أنه لم يأت لإذا جواب فيما بعد، فدل على أن تقديره: فلنسوأن وجوهكم".
[7480]:معنى هذا أن [ما] مفعول به في هذا التقدير، أما في التقدير التالي فهي ظرفية كما قال ابن عطية.