التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا} (7)

قوله تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها }

قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من أحسن -أي بالإيمان والطاعة- فإنه إنما يحسن إلى نفسه لأن نفع ذلك لنفسه خاصة ، وأن من أساء -أي بالكفر والمعاصي- فإنما يسيء على نفسه لأن ضرر ذلك عائد إلى نفسه خاصة ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله : { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } الآية ، وقوله { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } وقوله { من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون } إلى غير ذلك من الآيات ، واللام في قوله { وإن أسأتم فلها } بمعنى على أي فعليها ، بدليل قوله { ومن أساء فعليها } ومن إتيان اللام بمعنى على قوله تعالى : { ويخرون للأذقان } الآية أي عليها .

أخرج الطبري بالإسناد الصحيح المتقدم عن سعيد بن جبير قال بعث الله عليهم في المرة الأولى سنحاريب قال : فرد الله لهم الكرة عليهم كما قال : ثم عصوا ربهم وعادوا لما نهوا عنه ، فبعث عليهم في المرة الآخرة بختنصر ، فقتل المقاتلة ، وسبي الذرية ، وأخذ ما وجد من الأموال ، ودخلوا بيت المقدس ، كما قال الله عز وجل { وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا } دخلوه فتبروه وخربوه وألقوا فيه ما استطاعوا من العذرة والحيض والجيف والقذر ، فقال الله { عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا } فرحمهم فرد إليهم ملكهم وخلص من كان في أيديهم من ذرية بني إسرائيل وقال لهم : إن عدتم عدنا .

قال الشيخ الشنقيطي : جواب إذا في هذه الآية الكريمة محذوف ، وهو تتعلق به اللام في قوله : ليسوءوا وتقديره : فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوءوا وجوهكم بدليل قوله في الأولى { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا } الآية وخير ما يفسر به القرآن القرآن . أ . ه .

أخرج آدم بن أبي إياس والطبري بالإسناد الصحيح عن مجاهد قال : بعث الله ملك فارس ببابل جيشا وأمر عليهم بختنصر ، فأتوا بني إسرائيل فدمروهم فكانت هذه الآخره ووعدها .

قوله تعالى { وإن عدتم عدنا }

قال الشيخ الشنقيطي : لما بين جل وعلا أن بني إسرائيل قضى إليهم في الكتاب أنهم يفسدون في الأرض مرتين ، وأنه إذا جاء وعد الأولى منهما : بعث عليهم عبادا له أولى بأس شديد فاحتلوا بلادهم وعذبوهم ، وأنه إذا جاء وعد المرة الآخرة : بعث عليهم قوما ليسوءوا وجوههم ، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ، وبين أيضا : أنهم إن عادوا للإفساد المرة الثالثة فإنه جل وعلا يعود للانتقام منهم بتسليط أعدائهم عليهم ، وذلك في قوله : وإن عدتم عدنا ولم يبين هنا : هل عادوا للإفساد المرة الثالثة أولا ؟ ولكنه أشار في آيات أخر إلى أنهم عادوا للإفساد بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكتم صفاته ونقض عهوده ، ومظاهرة عدوه عليه ، إلى غير ذلك من أفعالهم القبيحة ، فعاد الله جل وعلا للانتقام منهم تصديقا لقوله : وإن عدتم عدنا فسلط عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، فجرى على بني قريضة والنضير وبني قينقاع وخيبر ما جرى من القتل والسبي والإجلاء ، وضرب الجزية على من بقي منهم ، وضرب الذلة والمسكنة .

فمن الآيات الدالة على أنهم عادوا للإفساد ، قوله تعالى : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئسما شروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين } وقوله : { أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم } الآية ، وقوله : { ولا تزال تطلع على خائنة منهم . . . } الآية ، ونحو ذلك من الآيات .

ومن الآيات الدالة على أنه تعالى عاد للانتقام منهم قوله تعالى : { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ، ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب } . وقوله تعالى : { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها . . } الآية ، ونحو ذلك من الآيات .